قسم يملك بعد الإقطاع وقسم لا يملك, وقسم اختلف قوله في تمليكه، فأما ما يملك بعد الإقطاع فهو الموات يملك بالإحياء ملكاً مستقراً وقد مضى، وأما ما يملك بالإقطاع فهو الذي ذكره في هذا الباب وهو الارتفاق بمقاعد الأسواق وأقنية الشوارع وحريم الأمصار، ومنازل الأسفار أن يجلس فيه الباعة وأن تحيط فيه الرجال فهذا مباح، قد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عليه بمكة والمدينة ومكن الخلفاء الراشدون بعده في الأمصار كلها فتوحها ومحياها، ولأن حاجة الناس إلى ذلك ماسة وضرورتهم إليه داعية فجرى مجرى الاستطراق والارتفاق، وأما ما اختلف قوله في تمليكه فهو المعادن الباطنة.
فصل:
فإذا تقرر جواز الارتفاق بما وصغنا فهو على ثلاثة أضرب:
ضرب يختص الارتفاق فيه بالصحاري والفلوات، وضرب يختص الارتفاق فيه بأقنية المنازل والأملاك، وضرب يختص الارتفاق فيه بأقنية الشوارع والطرقات.
فأما الأول: وهو ما يختص الارتفاق فيه بالصحاري والفلوات كمنازل المسافرين إذا حلوا في أسفارهم بمنزل استراحة فلا نظر للإمام عليهم فيه, لبعده عنهم ويجوز لهم النزول حيث لا يضروا المجتاز ولا يمنعوا سائلاً ثم لهم الماء والمرعى من غير منع ولا حمى، وهكذا البادية إذا انتجعوا أرضاً طلباً للماء والكلأ مكثوا فيها ولم يزالوا عنها وليس لهم أن يمنعوا غيرهم من انتجاعها ورعيها إلا أن يضيق بهم فيكون السابقون إليها أولى بها ممن جاء بعدهم روى يوسف بن ماهك عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله ألا نبني لك بمنى بناء يظلك من الشمس فقال: لا إنما هو مناخ من سبق إليه فلو ضاق المنزل عن جميع من ورد إليه ونزلوا فيه بحسب مسيرهم إليه يترتبون النزول كما كانوا مترتبين في المسير فمن قصر عنهم عن لحوق المنزل نزل حيث بلغ، ولو ضاق بهم الماء فإن كانوا تواسوا به عمهم لزمهم أن يتواسوا فيه ومنعوا من أن يجوز بعضهم أكثر من حاجته، وان ضاق عن مواساتهم فيه كان الأسبق إليه أحق بقدر كفايته عنهم فإن غلبه عليه المسبوق لم يسترجع منه، لأنه قد ملكه بالإجازة بعد أن كان مباحا، وان جاؤوا إليه على سواء لم يسبق بعضهم بعضاً وهو ينقص عن كفايتهم اقترعوا عليه فأيهم قرع كان أحق بما يمسك رمقه حتى يرتوي الآدميون, وليس لمن قرع منهم أن يقام بهائمه على ارتواء الآدميين، فإذا ارتوى الآدميون جميعا استؤنفت القرعة بين البهائم ولم يحملوا على القرعة المتقدمة، لأنهما جنسان يختلف حكمهما، وهل تستأنف القرعة على أعيان البهائم أو على أعيان أربابها؟ على وجهين.
أحدهما: أن تستأنف على أعيان أربابها تغليبا لحرمة الملك، فعلى هذا إذا في ع أحد أرباب البهائم يسقي جميع بهائمه ثم هكذا من قرع بعده.
الثاني: أن القرعة تستأنف محلى أعيان البهائم تغليباً لحرمتها وسواء في ذلك ما