قال في الحاوي: اعلم أن ضوال الحيوان إذا وجدت لم يخل حالها من أحد أمرين: إما أن توجد في مصر أو في صحراء فإن وجدت في مصر فيأتي وإن وجدت في صحراء فعلى ضربين: أحدهما: أن تكون مما يصل بنفسه إلى الماء والرعي ويدفع عن نفسه صغار السباع.
أما لقوة جسمه كالإبل والبقر والخيل والبغال والحمير وأما البعد أثره كالغزال والأرنب والطير فبهذا النوع لا يجوز لواجده أن يتعرض لأخذه إذا لم يعرف مالكه لقوله صلى الله عليه وسلم في ضوال الإبل:«ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر ذرها حتى تلقى ربها» ولأنها تحفظ أنفسها فلم يكن لصاحبها حظ في أخذها، فإن أخذها لم يخل من أحد أمرين: إما أن يأخذها لقطة ليمتلكها إن لم يأت صاحبها فهذا متعد وعليه ضمانها فإن أرسلها لم يسقط الضمان.
وقال أبو حنيفة ومالك قد سقط الضمان عنه بالإرسال بناء على من تعدى في وديعة ثم كف عن التعدي فعندهما يسقط الضمان عنه وعندنا لا يسقط فإن لم يرسلها ولكن دفعها إلى مالكها فقد سقط عنه ضمانها بأدائها إلى مستحقها وإن دفعها إلى الحاكم عند تعذر المالك ففي سقوط الضمان وجهان:
أحدهما: قد سقط لأن الحاكم نائب عمن غاب.
والثاني: لا يسقط لأنها قد تكون لحاضر لا يولى عليه.
والثانية: ألا يأخذها لقطة ولكن يأخذها حفظًا على مالكها فإن كان عارفًا بمالكها لم يضمن ويده يد أمانة حتى تصل إلى المالك وإن كان غير عارف للمالك ففي وجوب الضمان وجهان:
أحدهما: لا ضمان لأنه من التعاون على البر والتقوى.
والثاني: عليه الضمان لأنه ولاية له على غائب فإن كان واليًا كالإمام أو الحاكم فلا ضمان عليه فقد روي أن عمر رضي الله عنه كانت له حظيرة يحضر فيها ضوال الإبل فهذا حكم أحد الضربين.
فصل: والضرب الثاني: ما لا يدفع عن نفسه ويعجز عن الوصول إلى الماء والرعي كالغنم والدجاج فلو أخذه فأكله في الحال من غير تعريف غنيًا كان أو فقيرًا فعليه غرمه لمالكه إن وجده وبه قال أبو حنيفة وقال مالك وداود هو غير مضمون ويأكله أكل إباحة