ولا غرم عليه في استهلاكه استدلالًا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«هي لك أو لأخيك أو للذئب» ومعلوم أن ما استهلكه الذئب هدر لا يضمن وإنما أراد بيان حكم الأخذ في سقوط الضمان ولأن ما استباح أخذه من غير ضرورة إذا لم يلزمه تعريفه لم يلزمه غرمه كالدراهم.
ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه» ولأنها لقطة يلزمه ردها مع بقائها فوجب أن يلزمه غرمها عند استهلاكها قياسًا على اللقطة في الأموال ولأنها ضالة فوجب أن تضمن بالاستهلاك كالإبل فأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» فهو أنه نبه بذلك على إباحة الأخذ وجواز الأكل دون الغرم وأما الركاز لا يلزم رده فلذلك سقط فرمه وليس كذلك الشاة لأن ردها واجب فصار غرمها واجبًا.
فصل: فإذا ثبت جواز أخذ الشاة وما لا يدفع عن نفسه وإباحة أكله ووجوب غرمه فكذلك صغار الإبل والبقر لأنها لا تمنع عن أنفسها كالغنم ثم لا يخلو حال واحد الشاة وما في معناها من أربعة أحوال:
إحداها: أن يأكلها فيلزمه غرم ثمنها قبل الذبح عند الأخذ في استهلاكها ويكون ذلك مباحًا لا يأثم به وإن غرم.
والثانية: أن يتملكها ليستبقيها حية لدر أو نسل فلذلك له لأنه لما استباح تملكها مع استهلاكها فأولى أن يستبيح تملكها مع استبقائها ثم في صحة ضمانها وجهان كالعارية مخرجًا وفي اختلاف قوليه في ضمان الصداق أحدهما أنه ضامن لقيمتها في الوقت الذي يملكها فيه.
والثاني: أنه ضامن لقيمتها أكثر ما كانت من حين وقت التملك إلى وقت التلف فإن جاء صاحبها وهي باقية وقد أخذ الواجد درها ونسلها كان الدر والنسل للواحد لحدوثه على ملكه وللمالك أن يرجع بها دون قيمتها فإن بذل له الواجد قيمتها لم يجبر على أخذها مع بقاء عينها إلا أن يتراضيا على ذلك فيجوز فلو كانت الشاة حين رجع المالك بها زائدة في بدنها أو قيمتها لم يكن للواجد حق في الزيادة وكانت للمالك تبعًا للأصل ولو كانت ناقصة رجع المالك بنقصها على الواجد، لأنها مضمونة بالتلف فكانت مضمونة بالنقص.
فصل: والثالثة: أن يستبقيها في يده أمانة لصاحبها فلذلك له لأنه لما أجاز أن يتملكها على صاحبها فأولى أن يحفظها لصاحبها ولا يلزمه تعريفها لأن ما جاز تملكه سقط تعريفه ولا يلزمه إخبار الحاكم بها ولا الإشهاد عليها بل إذا وجد صاحبها سلمها إليه ولا ضمان عليه مدة إمساكها لصاحبها لو تلفت أو نقصت لأن يده يد أمانة كالمعرف.