وقال بعض أصحابنا وجهًا آخر إنه يضمنها لأن إباحة أخذها مقصور على الأكل الموجب للضمان دون الائتمان وهكذا القول فيما حدث من درها ولبنها على المذهب لا يضمنه، وعلى هذا الوجه يضمنه، فإن اتفق عليها أكثر من مؤنة علوفتها فإن كان ذلك منه مع وجود حمى للمسلمين ترى فيه فهو متطوع بالنفقة وليس له الرجوع بها، وإن كان مع عدم الحمى فإن كان عن إذن الحاكم رجع بما أنفق، وإن كان عن غير إذنه فإن كان قادرًا على استئذانه لم يرجع بها، وإن لم يقدر على استئذانه فإن لم يشهد لم يرجع وإن أشهد ففي رجوعه بها وجهان:
أحدهما: يرجع للضرورة.
والثاني: لا يرجع لئلا يكون حاكم نفسه. فلو أراد بعد إمساكها أمانة أن يتملكها ففي جوازه وجهان:
أحدهما: له ذلك كالابتداء.
والثاني: ليبس له ذلك لاستقرار حكمها فأما إن أراد أن يتملك درها ونسلها من غير أن يتملك أصلها لم يكن له ذلك وجهًا واحدًا لأنه فرع يتبع أصله فلو أرسلها بعد إمساكها أمانة لزمه الضمان إلا أن يدفعها إلى حاكم فلا يضمن ولو نوى تملكها ثم أراد أن يرفع ملكه عنها لتكون أمانة لصاحبها، لم يسقط عنه ضمانها وفي ارتفاع ملكه عنها وجهان:
أحدهما: لا يرتفع ملكه لأن الملك لا يزول إلا بقبول المتملك فعلى هذا يكون مالكًا لما حدث من درها ولبنها لبقائها على ملكه.
والثاني: يرتفع ملكه عنها مع بقاء ضمانها وذلك أحوط لمالكها فوجه ذلك أنه لما جاز أن يتملكها من غير بذل مالكها جاز أن يزول ملكه عنها من غير قبول متملكها. فعلى هذا يكون الحادث من درها ونسلها ملكًا لربها تبعًا لأصلها وعليه ضمانه كالأصل.
فصل: والرابعة: أن يريد بيعها فلا يخلو ذلك من أحد أمرين: إما أن يبيعها بعد أن يتملكها، فلذلك له كما لو أكلها ويكون ضامنًا لقيمتها دون ثمنها؛ لأنه باعها في حق نفسه. فلو جاء صاحبها بعد البيع لم يكن له في رقبتها حق لنفوذ البيع ورجع بالقيمة على الواجد. فلو كان الخيار المجلس أو خيار الشرط في البيع باقيًا فأراد المالك أن يفسخ وأراد البائع الإمضاء ففيه وجهان حكاهما أبو القاسم بن كج:
أحدهما: أن القول قول المالك في الفسخ لاستحقاقه الرجوع بعين ماله مع بقائه.
والثاني: أن القول قول البائع في الإمضاء لأن خيار العقد يستحقه العاقد دون غيره فإذا أمضى غرم القيمة دون الثمن وإن أراد بيعها لمالكها جاز إن كان البيع أحظ من الاستبقاء لما يلزم من الإنفاق عليها. وجاز أن يكون الواجد هو المتولي لبيعها من غير استئذان حاكم بخلاف من أراد بيع مال غريم جاحد فيستوفي منه قدر دينه في أحد الوجهين لأن صاحب الدين يبيعه في حق نفسه فمنع من تفرده به في أحد الوجهين وهذا يبيعه في حق المالك فجاز كالوكيل فإن أراد المالك الفسخ في خيار العقد استحقه وجهًا