أن تكون في يده أمانة وبين أن يدفعها إلى الحاكم ليحفظها على مالكها بأن يضعها في بيت المال أو على يد أمين. وقال عبد الله بن عمر: لا يجوز للواجد بعد تعريف الحول أن يتملكها بل عليه أن يضعها في بيت المالك وقال مالك إن كان غنيًا جاز له أن يتملكها وإن كان فقيرًا لم يجز لعجز الفقير عن الغرم وقدرة الغني عليه. وقال أبو حنيفة: يجوز للفقير أن يتملكها دون الغني وقد مضى الكلام معه والدليل على جميعهم قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها».وروي في بعض الأخبار أنه قال:«فإن جاء صاحبها وإلا فهي لك» وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام أن يتملك الدينار وهو لا يجد غرمه حتى غرمه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبطل به قول مالك وأذن لأبيّ بن كعب أن يتملك الصرة وهو غني فبطل به قول أبي حنيفة، ولأن الواجد لو منع بعد الحول من تملكها أدى ذلك إلى أحد أمرين: إما أن لا يرغب الواجد في أخذها وإما أن تدخل المشقة عليه في استدامة إمساكها فكان إباحة التمليك لها بعد التعريف أحث على أخذها وأحفظ على مالكها لثبوت غرمها في ذمته فلا تكون معرضة للتلف وليكون ارتفاق الواجد بمنفعتها في مقابلة ما عاناه في حفظها وتعريفها وهذه كلها معان استوى فيها الغني والفقير.
ثم مذهب الشافعي لا فرق بين المسلم والذمي في أخذها للتعريف وتملكها بعد الحول لأنها كسب يستوي فيها المسلم والذمي. وقال بعض أصحابنا لا حق للذمي فيها فهو ممنوع من أخذها وتملكها لأنه ليس من أهل التعريف لعدم ولايته على مسلم ولا ممن يملك مرافق دار الإسلام كإحياء الموات.
فصل: فإذا ثبت جواز تملكها بعد الحول لكل واحد من غني أو فرق فقد اختلف أصحابنا بماذا يصير مالكًا على ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يصير مالكًا لها بمضي الحول وحده إلا أن يختار أن تكون أمانة فلا تدخل في ملكه، وهذا قول أبي حفص بن الوكيل؛ لأنه كسب على غير بدل فأشبه الركاز والاصطياد.
والثاني: أنه يملكها بعض مضي الحول باختيار التملك، فإن لم يختر للتملك لم يملك، وهذا قول أبي إسحاق المروزي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها».فرد أمرها إلى اختياره، ولأنه أبيح له التملك بعد الحول بعد أن كان مؤتمنًا فاقتضى ألا ينتقل عن ما كان عليه إلا باختيار ما أبيح له.
والثالث: أنه لا يملكها بعد مضي الحول إلا باختيار والتصرف وهو ما لم يتصرف غير مالك لأن التصرف منه كالقبض فأشبه الهبة.
فصل: فإذا صار مالكها كما ذكرنا فقد ضمنها لصاحبها، فمن جاء طالبًا لها رجع بها إن كانت باقية وليس للمتملك أن يعدل به من بقائها إلى بدلها وإن كانت تالفة رجع ببدلها فإن كانت ذا مثل رجع بمثلها وإن كانت غير ذي مثل رجع بقيمتها حين يتملكها؛ لأنه إذ ذاك صار ضامنًا لها، فإن اختلفا في القيمة فالقول قول ممتلكها؛ لأنه غارم، فلو