والوزن فإن لم يقع في نفسه صدقه لم يدفعها إليه وإن وقع في نفسه أنه صادق أفتيناه بدفعها إليه جوازًا لا واجبًا فإن امتنع عن الدفع لم يجبر عليه وبه قال أبو حنيفة، وقال مالك وأحمد: يجبر على دفعها إليه بالصفة استدلالًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء طالبها، أو قال باغيها، فادفعها إليه».فلما أخبر بمعرفة العفاص والوكاء دل على انه كالبينة في الاستحقاق.
وروى سويد بن غفلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«فإن جاء باغيها فعرفك عفاصها ووكاءها فادفعها إليه».وهذا نص قالوا: ولأن كل أمارة غلب بها في الشرع صدق المدعي جاز أن يوجب قبول قوله كالقسامة قالوا: ولأن البينات في الأصول مختلفة وما تعذر منها في الغائب مخفف كالنساء المنفردات في الولادة وإقامة البينة على اللقطة متعذرة لاسيما على الدنانير والدراهم التي لا تضبط أعيانها فجاز أن تكون الصفة التي هي غاية الأحوال الممكنة أن تكون بينة فيها ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: «لو أعطى الناس بدعاويهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم لكن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه»، فلم يجعل الدعوى حجة ولا جعل مجرد القول حجة بينة ولأن صفة المطلوب لا تكون بينة للطالب كالمسروق والمغصوب ولأن صفة المطلوب من تمام الدعوى فلم يجز أن تكون بينة للطالب قياسًا على الطلب.
قال الشافعي رحمه الله محتجًا عليهم: أرأيت لو وصفها عشرة أيعطونها ونحن نعلم أن كلهم كذبة إلا واحدًا بعينه فرد عليه ابن داود فقال كما لو ادعاها عشرة وأقام كل واحد عليها بينة نقسمها بينهم وإن كان صدق جميعهم مستحيلًا، كذلك إذا وصفوها كلهم. والجواب عن هذا من وجهين:
أحدهما: أن كذب المدعي أسقط للدعوى من كذب الشهود، ألا ترى أن إكذاب المدعي لنفسه مبطلًا للدعوى وإكذاب الشهود ولأنفسهم غير مبطل للدعوى.
والثاني: أن البينة هي أقصى ما يقدر عليه المدعي وأقوى ما يحكم به الحاكم فدعت ضرورة الحاكم في البينة إلى ما لم تدعه من الصفة.
وأما الجواب عن قولهم عفاصها ووكاءها فهو أن ذلك لدفعها بصفة العفاص والوكاء ووجوب رده معه ولكن لمعانٍ هي أخص بمقصود اللفظ منها أنه نبه بحفظ العفاص والوكاء ووجوب رده مع قلته وندارته على حفظ ما فيه ووجوب رده مع كثرته ومنها أن يتميز بذلك عن ماله ومنها جواز دفعها بالصفة وإن لم يجب وعلى هذا حمل حديث سويد بن غفلة الذي جعلوه نصًا وأما استدلالهم به فنحن ما جعلنا المارة على الصدق حجة في قبول الدعوى وإنما الأيمان بعدها حجة وهم لا يقولون بذلك في اللقطة بعد الصفة فدل على اختلافهما.