يأكله الواجد وقال في موضع آخر أحببت أن يبيعه فاختلف أصحابنا فكان أبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة وطائفة من أصحابنا يخرجونه على قولين:
أحدهما: لواجده أكله كالشاة التي لم تعذر استبقاؤها أبيح لواجدها أكلها.
والثاني: ليس لواجده أكله بخلاف الشاه لا يجب تعريفها فأبيح له أكلها والطعام وإن كان رطبًا يجب تعريفه فلم يستبح واجده أكله وحكي أبو علي بن أبي هريرة أن ذلك على اختلاف حالين إن كان الحاكم موجودًا يقدر على بيعه لم يكن لواجده أكله وإن كان معدومًا جاز أكله وكان أبو القاسم الصيمري رحمه الله يقول اختلاف حاليه في إباحة أكله معتبر بحال واجده فإن كان فقيرًا محتاجًا استباح أكله وإن كان غنيًا لم يستبحه.
فصل: فإذا قلنا بجواز أكله فأكله صار ضامنًا لقيمته وعليه تعريف الطعام حولًا وهل يلزمه عزل قيمته من ماله عند أكله أم لا على قولين:
أحدهما: يلزمه عزل القيمة لئلا يصير متملكًا للقطة يجب تعريفها قبل حولها.
والثاني: لا يجب عليه عزلها لأنه لو عزلها فهلكت كانت من ماله فكانت ذمته أخط لها ولم يكن عزلها مقيدًا ومن قال بالأول جعل فائدة عزلها لو أفلس بعد عزل قيمتها ثم حضر المالك كان أولى بالمعزل من قيمتها من جميع الغرماء وزعم أن تلفها من يده بعد وجوب عزلها لا يوجب عليه غرمها فصار في ضمانه للثمن إن تلف بعد وجوب عزله وجهان:
أحدهما: وهو قول ابن أبي هريرة أنه يكون مضمونًا عليه والثاني وهو أشبه أنه لا ضمان عليه لأن الثمن مع وجوب عزله يقوم مقام الأصل مع بقائه.
فصل: وإذا قلنا لا يجوز له أكله فعليه أن يأتي الحاكم حتى يأذن له في بيعة ولا يجوز أن يتولى بيعه بنفسه مع القدرة على استئذان الحاكم بخلاف الشاة إذا وجدها وأراد بيعها لأن يده على الشاة أقوى لما استحقه عاجلًا من أكلها ويده على الطعام أضعف لما وجب عليه من تعريفه فإن أعوزه إذن الحاكم جاز بيعه له فلو باعة بإذن الحاكم كان الثمن في يده أمانة وعليه تعريف الطعام وحولًا فإن جاء صاحبه فليس له إلا الثمن دون القيمة ولو لم يأت صاحبه فللواجد أن يتملك الثمن ولو هلك الثمن في يده قبل الحول أو بعده، وقبل التملك لو كان تالفًا من مال ربه ولا ضمان على الملتقط وهكذا حكم الثمن لو كان الواجد هو البائع عند إعواز الحاكم فأما إن باعه مع وجود الحاكم فبيعه باطل وللمالك القيمة دون الثمن لفساد العقد فإن تلف الثمن من يد الواجد قبل الحول كان عليه غرمه لتعديه بقبضه مع فساد بيعه فإن حضر المالك والثمن بقدر القيمة من غير زيادة ولا نقص أخذه وهو مبلغ حقه وإن كان أقل فله المطالبة بإتمام القيمة ويرجع على المشتري لأن لما اشترى شراءً فاسدًا فكان ضامنًا للقيمة