للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت صلاة الظهر هي المبدأ ببيان وقتها في كل الخبرين، ولهذا سميت الظهر الصلاة الأولى.

ثم اعلم أن أول وقت الظهر حين تزول الشمس، وزوالها ميلاً عن وسط الفلك، لأنها تطلع، ولا تزال في الارتفاع حتى تنتهي إلى وسط الفلك، فإذا انتهت إليه انحطت عنه، وهو زوالها. وذلك أن السماء على الدنيا مثل القبة مسبلة الأكتاف عالية الوسط، ألا ترى أن الشمس ترى عظيمة حين تطلع لقربها منك، وإذا علت صغرت في رأي العين لبعد المسافة وبيان فالزوال في الأرض أنها أول ما تطلع يكون الظل في الشمس طويلا مديداً نحو المغرب، فكلما علت يتقلص الظل حتى تنتهي إلى وسط الفلك، فإن كان [٣ أ/ ٢] الزمان صيفاً، والمكان وسط الدنيا مثل مكة، لم يبق لكل شخص قائم معتدل ظل بحال حتى يأخذ الشمس حواليها كلها من غير ظل، وهذا لا يكون إلا يوماً واحداً على ما ذكرنا، فمتى سقط الظل وإن قل فقد مالت الشمس، وإن لم يكن الزمان صيفاً، وهو الربيع والخريف والشتاء، أو كان صيفاً، ولكن المكان غير وسط الدنيا، فالفيء لا يتقلص كله حتى لا يبقى للشخص فيء، بل يبقى له ظل يخلف قدره بالزمان والمكان، لأن الشمس تبلغ في الصيف وسط السماء، فتبعد من الأرض وينقص الفيء. وفي الشتاء يصير في عرض السماء، ولا تبلغ الوسط، فتكون أقرب إلى الأرض، فيطول الفيء فمعرفة الزوال في هذه الفصول أو في الصيف في غير وسط الدنيا أن ينظر إلى الظل، وتتفقد تناقصه حتى إذا علمت انتهاء النقصان، فقد عرفت انتهاء ارتفاعها، فإذا ظهر الظل نحو المشرق أدنى شيء، فذلك زوال الشمس، وهذا لأن أول ما تطلع الشمس يقع الظل إلى ناحية المغرب مستطيلاً، ثم لا تزال ترتفع ويتقلص الظل، ثم عند استواء الشمس يأخذ الظل الثاني الذي لا يزال في الزيادة نحو المشرق، فإذا تحقق زوال الشمس، فقد دخل أول وقت الظهر ووجبت الصلاة ويجوز الأذان لها.

قال الله تعالى: "أقم الصلاة لدلوك الشمس" [الإسراء: ٧٨]، قال الشافعي: أراد به زوال الشمس دون الغروب. وبه قال ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهم، قالوا: دلوك الشمس: ميلها.

وروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا: الدلوك: غروبها، وهذا غلط لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خبر المواقيت، فصلى في الظهر حين دلكت

<<  <  ج: ص:  >  >>