قال الشافعي: وسواء علم بذلك بنفسه أو أخبره من صدقه، أراد به إذا أخره عن مشاهدة، وإن أخره عن اجتهاب لم يلزمه قبوله، وكذلك إن أخبره من لا يصدقه لم يلزمه قبوله، والاحتياط الإعادة إذا أخبره أنه فعلها قبل الوقت، وإن لم يصدقه.
قال الشافعي في "الأم": وإذا كان أعمى وسعه خبر من يصدقه في الوقت والاقتداء بالمؤذنين. وقال أيضا في استقبال القبلة، وإن كان محبوساً في ظلمة أو أعمى ليس بقربه أحد لم يسقه أن يصليها وتأخى على إلا عليه عنده من مرور الوقت من نهار وليل، وإن وجد غيره تآخى به. وهذا يدل على أن المحبوس والأعمى يجوز لهما التبيان. ووجه ذلك أن في إمارات الوقت ما يدرك بالبصر مثل قرصة الشمس من وراء الغيم والفيء الخفي. وفيها ما يدرك بالعمل والصفة وغير ذلك، فأشبه الأواني لما كان منها ما يستدل على طهارتها ونجاستها بالبصر.
ومنها: ما يستدل عليه بغير البصر، كان له الاجتهاد والتقليد إن لم يتبين له. ومن أصحابنا من قال: ليس له التقليد فيه لأنه من أهل الاجتهاد فيه فأشبه البصير غير المحبوس ويفارق القبلة لأنه ليس من أهل الاجتهاد فيها. هذا خلاف النص وإن أخبرهما واحد بالوقت عن مشاهدة وكان مصدقاً عندهما لزمهما قبول ذلك والعمل به وأما العمل على أذان المؤذنين، قال أبو حامد: الأعمى والبصير في ذلك سواء، لأن الأذان بمنزلة الإخبار بالوقت، فيجب قبوله وحكي عن ابن شريح أنه قال: الرجوع إلى الأذان جائز للبصير والأعمى بلا خلاف إذا كان المؤذن ثقة، عارفاً بالمواقيت، لأن الناس يحضرون الجمعة من صلاة الغداة وعشياً غلون بالنوافل، فإذا أذن المؤذن عمل الكل في الأذان، ولا يطالع كل واحد منهم الشمس.
وقال القاضي أبو الطيب: هذا لا يصح، لأن الشافعي خص الأعلى به، ولأن المؤذن (يحمتل) أن يكون يؤذن عن اجتهاب لا عن مشاهدة، ويسوي البصر في الاجتهاد، والواجب أن يقال: ينظر، فإن كان في الصحو قبل لأنه إذا كان ثقة لا يؤذن إلا بعد العلم بدخول الوقت من طريق المشاهدة، ويكون حراً، وإذا كان غيماً لا يجوز للبصير أن يقلده، لأنه يمكنه الاجتهاد، ويجوز للأعلى أن يقلده على ما ذكرنا.
وقال أصحابنا: إلا أن يكون المؤذنون عدداً في جهات شتى، لا يجوز على مثلهم