وبه قال من التابعين شريح والشعبي ومسروق وعبيدة السلماني ومن الفقهاء: الشافعي ومالك والأوزاعي والثوري وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل واستدل من أسقط الإخوة والأخوات بالجد بقول الله تعالى: {واتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إبْرَاهِيمَ وإسْحَاقَ}[يوسف: ٣٨] وقال تعالى: {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ}[الحج: ٧٨] فسماه أباً وإذا كان اسم الأب منطلقاً على الجد وجب أن يكون في الحكم كالأب، ولأن للميت طرفين أعلى وأدنى فالأعلى الأب ومن علا والأدنى الابن ومن سفل فلما كان ابن الابن كالابن في حجب الإخوة ووجب أن يكون أبو الأب كالأب في حجب الإخوة. وتحرير قياساً أنه أحد الطرفين فاستولى حكم أوله وآخره كالطرف الآخر قالوا: ولأن الجد عصبة لا يعقل فوجب أن يسقط العصبة التي تعقل كالابن، ولأن من جمع الولادة والتعصيب أسقط من عدم الولادة وتفرد بالتعصيب كالابن، ولأن للجد تعصيباً ورحماً يرث بكل واحد منهما منفرداً فكان أقوى من الأخ الذي ليس يدلي إلا بالتعصيب الإدلاء بالابن أقوى من الإدلاء بالأب، ولأن للجد ولأية يستحقها بقوته في نكاح الصغيرة وعلى مالها ويضعف الأخ بما قصر فيها.
قالوا: ولأن الأخ لو قاسم الجد كالأخوين لوجب أن يقتسمها في كل فريضة ورث فيها جدكما يقاسم الأخ الأخ في كل فريضة ورث فيها أخ، فلما لم يقاسمه في غير هذا الموضع يقاسمه في هذا الموضع. قالوا: ولأن الجد في مقاسمة الأخوة لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكون كالأخ للأب والأم، أو كالأخ للأب والأم، أو كالأخ للأب أو أقوى منهما، وليس يجوز أن يكون أضعف منهما، لأنه لا يسقط بهما، فلو كان كالأخ للأب والأم لم يرث معه الأخ ولو كان كالأخ للأب لما ورث مع الأخ للأب والأم، وإذا امتنع بما ذكرنا أن يكون كأحدهما ثبت أنه أقوى منهما، والله أعلم.
فصل: واستدل من ورث الإخوة والإخوات مع الجد بقول تعالى: {لِلرِجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأَقْرَبُونَ}[النساء: ٧] وبقوله تعالى: {وأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}[الأنفال: ٧٥] والجد والإخوة يدخلون في عموم الآيتين فلم يجز أن يخص الجد بالمال دون الإخوة، ولأن الأخ عصبة يقاسم أخته فلم يسقط بالجد كالابن طرداً وبني الإخوة والعم عكساً.
فإن قيل: هذا تعليل، لأن الأخ وإن عصب أخته يسقط بالأب وهو لا يعصب أخته فكذلك لا يمتنع أن تسقط بالجد الذي لا يعصب أخته.
قيل: إنما سقطوا بالأب لمعنى عدم في الجد وهو إدلائهم بالأب دون الجد، ولأن قوة الأبناء مكتسبة من قوة الآباء، فلما كان بنو الأخوة لا يسقطون مع بني الجد فكذلك الإخوة لا يسقطون مع الجد.
فإن قيل: فهذا الجميع يقتضي أن يكون الإخوة يسقطون الجد كما أن بني الإخوة يسقطون بني الجد وهم الأعمام.