قيل: إنما استدللنا بهذا على ميراث الإخوة لا على من سقط بالإخوة وقد دل على ميراثهم فصح، ولأن كل من لا يحجب الأم إلى ثلث الباقي لا يحجب الإخوة كالعم طرداً وكالأب عكساً، ولأن كل سببين يدليان إلى الميت لشخص واحد لم يسقط أحدهما بالآخر كالأخوين وكابني الابن، لأن الأخ والجد كلاهما يدليان بالأب، ولأن تعصيب الإخوة كتعصيب الأولاد، لأنهم يعصبون أخواتهم ويحجب الأم من أعلى الوجهين، ويفرض النصف للأنثى منهم والجد في هذه الأحوال كلها بخلافهم فكانوا بمقاسمة الجد أولى من سقوطهم به، ولأن كل شخصين إذا اجتمعا في درجة واحدة وكان أحدهما يجمع بين التعصب والرحم والآخر يتفرد بالتعصيب دون الرحم: كان المتفرد بالتعصيب وحده أقوى كالابن إذا اجتمع مع الأب فلما كان الجد جامعاً للأمرين والأخ مختص بأحدهما وجب أن يكون أقوى، لأن الجد والأخ كلاهما يدليان بالأب والجد يقول: أنا أبو أبي الميت، والأخ يقول: أنا ابن أبي الميت فصار الأخ أقوى من الجد لثلاثة معان منها: أن الأخ يدلي بالبنوة والجد يدلي بالأبوة، والإدلاء بالبنوة أقوى، ومنها أن من يدليان به وهو الأب لو كان هو الميت لكان للجد من تركته السدس وخمسة أسداسها للابن، ومنها أن الأخ قد شارك الميت في الصلب وراكضه في الرحم، وإذا كان الأخ أقوى من الجد بهذه المعاني الثلاثة كان أقل أحواله أن يكون مشاركاً له في ميراثه، ثم يدل على ذلك ما جرى من نظر الصحابة فيه، فروي أن عمر رضي الله عنه كان يكره أن يذكر فريضة في الجد حتى صار هو جداً وذلك أن ابنه عاصماً مات وترك أولاداً ثم مات أحد الأولاد فترك جده عمر وإخوته فعلم أنه أمر لابد من النظر فيه، فقام في الناس فقال: هل فيكم من أحد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الجد شيئاً؟ فقام رجل فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن فريضة الجد فأعطاه السدس فقال من كان معه من الورثة؟ فقال: لا أدري قال: لا دريت ثم قال آخر: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فريضة الجد فأعطاه الثلث فقال: من كان معه من الورثة؟ قال: لا أدري قال: لا دريت؟ ثم دعا زيد بن ثابت فقال: إنه كان من رأيي ورأي أبي بكر قبل أن أجعل الجد أولى من الأخ فماذا ترى؟ فقال: يا أمير المؤمنين لا يجعل شجرة خرج منها غصن ثم خرج من الغصن غصنان فيم تجعل الجد أولى من الأخ وهما خرجا من الغصن الذي خرج منه الجد؟ ثم دعا علي بن أبي طالب وقال له مثل مقالته لزيد فقال: على يا أمير المؤمنين لا تجعل واد سأل فانشعبت منه شعبة ثم انشعبت من الشعبة شعبتان فلو رجه ماء إحدى الشعبتين دخل في الشعبتين جميعاً فيم تجعل الجد أولى من الأخ؟ فقال عمر: لولا رأيكما أجمع ما رأيت أن يكون ابني ولا أن أكون أباه.