بغروب نصف قرصها حتى يجوز للصائم الأكل والشرب ما لم يطلع نصف القرص. وروي مثل هذا عن حذيفة، وهذا يفيد مع ظهور تحريم الطعام والشراب بطلوع الفجر في كل عصر، وظاهر قوله تعالى:"وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض"[البقرة: ١٨٧] الآية.
وروي في حديث جبريل عليه السلام أنه قال:«وصلى بي الفجر في اليوم الأول حين حرم الطعام والشراب [١٠ ب/ ٢] على الصائم»، ولا يصح الصوم بالليل بالإجماع، واحتجوا بقوله تعالى:"فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة"[الإسراء: ١٢]، وآية النهار الشمس، فينبغي أن يكون النهار من طلوعها، ولأنه يجهر فيها بالقراءة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:«صلاة النهار عجماء».
قلنا عن الأول: الشمس آية النهار وهذا لا يدل على أنه لا آية له غيرها، ولأنه يقال للفجر: حاجب الشمس. وقال الخليل بن أحمد: النهار هو الضياء الذي من طلوع الفجر وغروب الشمس. وأما الخبر قال الدارقطني: هذا لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول الفقهاء، ثم المراد به معظم صلوات النهار، ألا ترى أنه يجهر بالقراءة في صلاة الجمعة، وهي من صلاة النهار، وقيل: المعنى فيه أن الكفار كانوا إذا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ويقرأ يسبون القرآن ومن أنزله، فأنزل الله تعالى:"ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها"[الإسراء:١١٠]، فأمر بالمخافتة فيما يحضره الكفار من الصلوات وكانوا وقت العشاء والصبح نياماً، ووقت المغرب مشتغلين بالأكل فلا يحضرون، فيجهر النبي صلى الله عليه وسلم في قراءتها لهذا المعنى.
وحكي أن أبا حنيفة خرج إلى الأعمش زائراً وجعل يعتذر ويقول: لولا مخافة الثقل لزرناك كثيراً، فقال له: أنت ثقيل في بيتك، فكيف إذا جئتنا؟ فقام أبو حنيفة رحمه الله مغضباً، وقال: ماذا أقول لرجل لم يصم لله تعالى قط، ولم يغتسل من الجنابة قط؟ وعنى به هذه المسألة التي ذكرناها عنه. وقوله: الماء من الماء، فإنه يذهب إلى أنه لا يجب الغسل بالتقاء الختانين، فإذا تقرر هذا فوقت الاختيار يبقى إلى أن يسفر النهار، وهو آخر وقت الاختيار ثم بعد الإسفار يبقى وقت الجواز، والأداء إلى أن تطلع الشمس، ولكن يكره له تأخيرها إليه، فحصل للصبح ثلاثة أوقات [١١ أ/ ٢]، كما ذكرنا في العشاء.
وقال الإصطخري: يخرج الوقت بالإسفار كما قال في العصر والعشاء، وهذا غلط