لما روي في حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس». وقال بعض العلماء: صلاة الصبح من صلاة اليوم ليست من صلاة النهار ولا من صلاة الليل لقوله تعالى: "يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل"[الحج: ٦١]، فاقتضى أن يكون زمان ولوج الليل في النهار ليس من الليل، ولا من النهار، فيكون الليل الذي لم يلج فيه شيئاً من النهار ليلاً، ويكون النهار الذي لم يلج فيه شيء من الليل نهاراً، وهو بعد طلوع الشمس. وقد بينا صحة ما ذكرنا وبطلان غيره. فإذا تقرر هذا، فإن فرغ منها قبل طلوع الشمس، فلا كلام، وإن صلى منها ركعة في الوقت ثم طلعت الشمس فيصلي باقيها بعد طلوعها. نص في «القديم» و «الجديد» أن الكل أداء. وبه قال أحمد وإسحق وهو اختيار ابن سريج، وعلى هذا لا يصير عاصياً إذا لم يكن بعذر، وقال أبو إسحق: ما فعله في الوقت يكون أداء، وما فعله خارج الوقت يصير قضاء، ويكون بهذا التأخير عاصياً، إذا لم يكن معذوراً، ونص الشافعي على هذا في غير موضع وأراد بما ذكرتم في حق أهل الأعذار، فإنه لا حرج عليهم، ويكونون مؤدين لحقها.
قال أبو حامد: وهذا قول عامة أصحابنا، وهذا غلط للخبر المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح» الخبر، ولأنه لا خلاف أن من أدرك ركعة من الجمعة يكون مدركاً لها، فدلَّ على ما قلنا. وقال القاضي الطبري: هذا مذهب الشافعي الذي لا يحتمل غيره.
وقد نقل المزني صريحاً، فقال: فإذا طلعت الشمس قبل أن يصلي منها ركعة [١١ ب/٢]، فقد خرج وقتها فجعلها فائتة بطلوع الشمس قبل أن يصلي منها ركعة، والذي ذكره أبو إسحق ما وجد للشافعي في شيء من كتبه. وقال ابن المنذر، هو قول أبي ثور. وقال بعض أصحابنا: المقصود من الأوقات أن يكون الافتتاح فيها، فإن شرع فيها ومدها إلى خارج الوقت لم يكره لما روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه:«قرأ سورة البقرة في صلاة الصبح»، فلما سلم قال له عمر رضي الله عنه: كدت لا تسلم حتى تطلع الشمس، فقال:«لو طلعت لم تجدنا غافلين».
واحتجَّ أبو إسحق بقوله صلى الله عليه وسلم:«وقت الصبح ما لم تطلع الشمس»، وهذا عندنا على أنه أراد وقت افتتاحها بدليل ما ذكرناه وهكذا الحديث فمن صلى ركعة من العصر قبل غروب الشمس وأتمها بعد غروبها، وإن صلى دون الركعة قبل طلوع الشمس أو قبل