وأما المحجور عليه بالفلس، فإن ردها الغرماء بطلت، وغن أمضوها جازت فإن قلنا: إن حجر الفلس كحجر المرض صحت. وإن قلنا: إنه كحجر السفيه كانت على وجهين.
وأما العبد فوصيته باطلة. وكذلك المدير، وأم الولد، والمكاتب، لأن السيد أملك منهم لما في أيديهم.
فأما الكافر: فوصية جائزة، ذميًا كان أو حربيًا، إذا وصي بمثل ما وصي به المسلم.
فأما الفصل الثاني: في الموصي له.
فتجوز الوصية لكل من جاز الوقف عليه، من صغير وكبير، وعاقل ومجنون وموجود ومعدوم، إذا لم يكن وارثًا، ولا قاتلًا.
فأما الوارث فلقوله عليه السلام: «لا وصية لوارث» ولو وصي لأحد ورثته، كان في الوصية قولان:
أحدهما: باطلة إذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهي إلا أن يستأنفه الورثة الباقون هبتها له بعد محضة لا تجري فيها حكم الوصية. وهذا قول المزني.
والثاني: أنها موقوفة على إجازة الباقين من الورثة، كالوصية بما زاد على الثلث، فإن أجازها الباقون من الورثة: صحت، وإن ردوها رجعت ميراثًا وكان الموصي له به كأحدهم، يأخذ فرضه منها، وإن أجازها بعضهم وردها بعضهم صحت الوصية في حصة من أجازه، وكان الموصي له في الباقي منها وارثًا من رده. ثم هل تكون إجازتهم على هذا القول ابتداء عطية منهم أو إمضاء على قولين. وعلى كلا القولين لا تفتقر إلى بذل وقبول بخلاف القول الأول.
فصل: وأما الوصية للقاتل ففيها قولان:
أحدهما: وهو مذهب مالك أنها جائزة وإن لم يرث، كما تجوز الوصية للكافر وإن لم يرث، ولأنه تمليك يراعي فيه القبول، فلم يمنع منه القتل كالبيع.
وأما القول الثاني: وبه قال أبو حنيفة: الوصية باطلة لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس للقاتل وصية»، ولأنه مال يملك بالموت، فاقتضي أن يمنع منه القاتل كالميراث، على أن الميراث أقوى التمليكات، فلما منع منه القتل كان أولى أن يمنع من الوصية.
فإذا تقرر هذان القولان، فلا فرق أن يوصي له بعد جرحه إياه وجنايته عليه، وبين أن يوصي له قبل الجناية ثم يجني عليه فيقتله في أن الوصية على قولين.
ولكن لو قال الموصي، وليس بمجروح: قد وصيت بثلث مالي لم يقتلني فقتله رجل لم تصح الوصية قولًا واحدًا لأمرين:
أحدهما: لأنها وصية عقد على معصية.
والثاني: أن فيها إغراء بقتله.