والثاني: أنه قد استحق بالوصية أحدها، بخلاف الأموال مقومة لا تختلف أثمانها وليست كالكلاب التي تقوم، فاستوي حكم جميعها. فعلي هذا فيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق المروزي: أنه يأخذ أحدها بالقرعة.
والثاني: أن للورثة أن يعطوه أيها شاؤوا.
فصل: فأما إن كان له كلب واحد، وليس له مال غيره، أوصي به لرجل فهو كمنت أوصى بجميع ماله. فإن أجازه الوارث، وإلا كان للموصي له ثلثه، وللورثة ثلثا، ويكون بينهما على المهايأة. وإن ملك مالًا فأوصى بهذا الكلب الذي ليس له كلب سواه، ففي الوصية وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة: أن الوصية جائزة، والكلب كله، للموصي له به، لأن قليل المال خير من الكلب الذي ليس بمال.
والثاني: وهو قول أبي سعيد الاصطخري.
إن للموصي له ثلث الكلب، إذا منع الورثة من جميعه، وإن كثر مال التركة، لأنه مما لا يمكن أن يشتري، فيساويه الورثة فيما صار إليهم من المال، فاختص الكلب بحكمه، وصار كأنه جميع التركة.
فلو ترك ثلاث كلاب، ومالًا. أوصى بجميع كلابه الثلاثة، فعلي قول أبي علي بن أبي هريرة، الوصية بجميع الكلاب الثلاثة ممضاة، وإن قل مال التركة، وعلى قول أبي سعيد الاصطخري: تصح الوصية في أحدها، إذا منع الورثة من جميعها.
فصل: والوصية بالميتة جائزة، لأن قد يدبغ جلدها، ويطعم بزاته لحمًا. وكذلك الوصية بالروث، والزبل؛ لأنه قد ينتفع به في نخله وزرعه.
فأما الوصية بالخمر والخنزير، فباطلة؛ لأن الانتفاع بهما محرم. ولو أوصي بجرة فيها خمر. قال الشافعي -رحمه الله- أريق الحمر ودفعت إليه الجرة؛ لأن الجرة مباحة، والخمر حرام.
فأما الوصية بالحياة، والعقارب، وحشرات الأرض، والسباع والذباب: فباطلة، لأنه منفعة في جميعها.
فأما الوصية بالفيل، فإن كان منتفعًا به: فجائز، لجواز أن يبيعه، ويقوم في التركة، ويعتبر من الثلث. وإن كان غير منتفع به: فالوصية باطلة فأما الفهد، والنمر، والشاهين، والصقر فالوصية بذلك كله جائزة، لأنها جوارح ينتفع بصيدها وتقوم في التركة لجواز بيعها، وتعتبر في الثلث. وأما الوصية بما تصيده كلابه فباطلة:، لأن الصيد، لمن صاده.
مسألة:
قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: «أعطوه طبلًا من طبولي وله طبلان للحرب