قال في الحاوي: يعني أنه إن كان لا يصلح إلا للهو: فالوصية باطلة. وإن كان يصلح لغير اللهو: فالوصية به جائزة. ثم الكلام في التفضيل على ما مضي. فأما الشبابة التي ينفخ فيها مع طبل الحرب، وفي الأسفار فالوصية بها جائزة.
مسألة:
قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: «ولو قال عودًا من القسي لم يعط قوس ندافٍ ولا جلاهق وأعطي معمولة أي قوس نبل أو نشاب أو حسبان».
قال في الحاوي: وهذا صحيح. إذا أوصى لرجل بقوس من القسي، فمطلق القوس يتناول قوس السهام العربية دون قوس النداف.
والجلاهق الذي يرمي عنها البندق، فلا يعطي إلا قوس السهام العربية سواء أعطاه قوس نشاب وهي الفارسية، أو قوس نبل وهي العربية أو قوس حسان والخيار فيها إلى الوارث لاشتراك الاسم في جميعها، ولا يلزمه أن يدفع الوتر معه، لأنه يسمي قوسًا بغير وتر، وهكذا لو أوصي له بدابة: لم يعط سرجها، أو عبد: لم يعط كسوته. فأما إن قال: أعطوه قوسًا من قسي، وله قوس نداف، وقوس جلاهق: أعطي قوس الجلاهق التي يرمي عنها، لأنها أخص بالاسم. فإن لم يكن له إلا قوس ندف دفع إليه. ولو اقترن بكلامه ما يدل على مراده: عمل على ما دل عليه كلامه من القسي الثلاث، والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: «وتجعل وصيته في الرقاب في المكاتبين ولا يبتدأ منه عنق».
قال في الحاوي: وهذا صحيح إذا أوصى بثلثه في الرقاب، صرف في المكاتبين، وبه قال أبو حنيفة. وقال مالك: يشتري به رقاب يعتقون. وأصل هذا اختلافهم في سهم الرقاب في الزكاة، هل ينصرف في العتق أو في المكاتبين. فمالك يقول: يصرف في العتق. والشافعي وأبو حنيفة: يصرفانه في المكاتبين، والدليل على ذلك قوله تعالى:{إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}[التوبة: ٦٠]. فأثبت ذلك لهم بلام الملك، والعبد لا يملك فيصرف إليه، والمكاتب يملك فوجب صرفه إليه، ولأنه مصروف في ذوي الحاجات، ولأن مال الزكاة مصروف لغير نفع عاجل يعود إلى ربه فلو صرف في العتق لعاد إليه الولاء.
فصل: فإذا تقرر أن سهم الرقاب في الزكاة يصرف إلى المكاتبين. وجب أن يكون سهام الرقاب في الوصية مصروفًا في المكاتبين، لأن مطلق الأسماء المشتركة محمولة على عرف الشرع المعتبر فيه.