كما قلنا في زكاة المال، فأما زكاة الفطر ففيه وجهان:
أحدهما: أنها تخرج في بلد المال، دون المالك كزكاة المال.
والثاني: أنها تخرج في بلد المالك، دون المال، لأنها عن فطرة بدنه، وطهور لصومه.
فإن نقل الزكاة عن بلد المال إلى غيره كان في الأجزاء قولان.
وأما نقل الوصية: فقد اختلف أصحابنا: فمنهم من خرجه على قولين كالزكاة ومنهم من قال: يجزئ قولًا واحدًا، وإن أساء؛ لأن الوصية عطية من آدمي فكان له أن يضعها حيث شاء.
فصل: فإذا فرق الثلث فيما وصفنا من الفقراء والمساكين، لم يملكوه إلا بالقبول والقبض، قولًا واحدً، وهكذا كل وصية علقت بصفة لا يلزم استيعاب جنسها وإنما القولان فيمن كان مسمي في الوصية.
والفرق بينهما: أن من تعين بالعطية لم يملك إلا بها، ومن تعين بالوصية ملك بها.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: «وكذلك لو أوصي لغازين في سبيل الله فهم الذين من البلد الذي به ماله».
قال في الحاوي: وهذا صحيح: إذا جعل ثلث ماله مصروفًا في الغارمين. والغارمون ضربان: ضرب استدانوا في المصالح العامة كتحمل للدية «العمد» أو غرم مال في إصلاح ذات البين، أو تيسير الحج، أو إصلاح سبيلهم.
فهذا الصنف من الغارمين، لا يراعي فقرهم، ويجوز أن يعطوا مع الغني.
والثاني: أن يستدينوا في مصالح أنفسهم، فيراعي فيهم الفقر، ولا يجوز أن يعطوا مع الغني والقدرة. ثم ينظر فيما استدانوا: فإن كانوا صرفوه في مستحب أو مباح: أعطوا، وإن صرفوه في معصية: فإن لم يتوبوا منها لم يعطوا، لما في إعطائهم من إعانتهم عليها وإغرائهم بها.
وإن تابوا ففي إعطائهم وجهان:
وأحدهما: «لا يعطون» لهذا المعني.
والثاني: يعطون لارتفاعها بالتوبة.
وأقل ما يصرف الثلث في ثلاثة فصاعدًا في الغارمين، وأي الصنفين أعطي منهم أجزأ، ويكون ما يعطيهم بحسب غرمهم، قال الشافعي: «ويعطي من له الدين عليهم، أحب إلى، ولو أعطوه في دينهم رجوع أن يسع». فإن صرفه في اثنين: غرم للثالث، وفيه وجهان: