ومنها: أن الرد في حال الحياة عفو قبل وقت الاستحقاق، فجري مجري العفو عن القصاص قبل وجوبه، وعن الشفعة قبل استحقاقها.
ومنها: أنه قبل الموت مردود عن الوصية، فلم يكن رده له مخالفًا لحكمها.
فصل: قال الشافعي: «وسواء أوصي له بأبيه، أو غيره» أهـ. وهذا قاله ردًا على طائفتن، زعمت إحداهما أن من أوصي له بأبيه وأمه أو بابنه فعليه قبول الوصية، ولا يجوز له ردها.
وزعمت الثانية أنه إذا قبل الوصية بأبيه في حياة الموصي: صح القبول وإن لم يجب عليه، وليس له الرد بعد الموت بخلاف غيره من الوصايا.
وكلا القولين عندنا خطأ، ويكون مخيرًا بعد الموت في قبوله ورده كغيره، لأنها وصية.
فعلي هذا إن قبل الوصية بأبيه بعد موت الموصي عتق عليه ثم نظر. فإن كانت قبوله صحيحًا: ورثه أبوه لو مات.
فلو كان عند قبوله مريضًا كان في ميراثه لو مات وجهان:
أحدهما: لا يرث، لأن عتقه بالقبول وصية لا تصح لوارث.
والثاني: وهو قول ابن سريج أنه يرث، لأنه لم يخرج ثمنه من ماله فيكون وصية منه.
فعلي هذين الوجهين: لو قبله في مرضه ولا مال له غيره، فعلي الوجه الأول، يعتق ثلثه، ويرق ثلثاه؛ لأنه وصية له وليس الوصية منه.
فصل: وأما الفضل الثاني: وهو الوصية بالولاية على مال طفل، وتفريق ثلثه، أو تنفيذ وصية، فيصح قبولها وردها في حياة الموصي، وبعد موته، بخلاف وصايا العطايا؛ لأن هذا عقد، فكان قبوله في حياة العاقد أصح وتلك عطية تقبل في زمان التمليك، وقبولها على اتراخي ما لم يتعين تنفيذ الوصايا.
ولو رد الوصية في حال حياة الموصي، لم يكن له قبولها بعد موته، ولا في حياته. ولو قبلها في حياة الموصي، صحت، وكان له المقام عليها إن شاء والخروج منها إن شاء، في حياة الموصي، وبعد موته.
وقال أبو حنيفة: ليس له الخروج من الوصية بعد موت الموصي، ويجوز له الخروج منها في حياته، إذا كان حاضرًا، وإن غاب، لم يجز.
وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أن ما كان لازمًا من العقود استوى حكمه في الحياة، وبعد الموت، وما كان غير لازم بطل بالموت، والوصية إن خرجت عن أحدهما صارت أصلًا يفتقر إلى دليل.
والثاني: أنه لو كان حضور صاحب الحق شرطًا في الخروج من الوصية، لكان