للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالثة: من قدم للقصاص وجب عليه قال الشافعي: هو غير مخوف ما لم يجرح، فلم يجعل التقديم للقصاص مخوفًا بخلاف التحام القتال والأسير. واختلف أصحابنا فكان أبو إسحاق المروزي، وأبو علي بن أبي هريرة، وأبو حامد المروزي، وطائفة كبيرة يجمعون بين الجوابين في المسائل الثلاث، ويخرجونها على قولين:

أحدهما: أن يكون مخوفًا، الحال في المسائل الثلاث لقوله تعالى: {ولَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وأَنتُمْ تَنظُرُونَ (١٤٣)} [آل عمران: ١٤٣] فجعل خوف القتل كخوف المرض في رؤية الموت فيهما فدل على استوائهما ولأن نفس المريض أسكن من هؤلاء لما يرجو من صلاح الدواء فكان ذلك بالخوف أحق.

والثاني: أنه لا يكون مخوف الحال في هذه المسائل الثلاث، لأن خوف المرض حال من جسمه، ومماس لجسده، فصار حكمه فيه مستقرًا وليست حاله في هذه المسائل الثلاث كذلك، لأنه يخاف من قرب أجله بحلول ما يحدث في جسده ويناله في يده وذلك غير حال ولا مستقر، وإنما هو بمنزلة الشيخ الهرم الذي هو لعلو السن منتظر الموت في يوم بعد يوم وعطاياه من رأس ماله فكذلك هؤلاء.

وقال آخرون من أصحابنا: بل جواب الشافعي على ظاهره في المسائل الثلاث فيكون الأسر، والتحام القتال خوفًا، ولا يكون التقديم للقصاص خوفًا.

والفرق بينهما أن المشتركين يرون قتل الأسرى دينًا ونحلة فالعفو منهم غير موجود وليس كذلك ولي القصاص، لأن ما وصف الله تعالى به المسلمين من الرأفة والرحمة وندبهم إليه من الأخذ بالعفو هو الأغلب من أحوالهم والأشبه بأحوالهم فكان ذلك فرقًا بين الفريقين.

وقال ابن سريج: المسائل الثلاث كلها على سواء في اعتبار ما يدل عليه الحال وتشهد به الصورة من أن ينظر: فإن كان ولي القصاص قاسيًا جنفًا فالأغلب من حال التشفي، وأنه ممن لا يمن ولا يعفو فتكون حال المقتص منه مخوفة كالأسير إذا كان في يد من لا يعفو عن أسير.

وإن كان ولي القصاص رحيمًا ومن الخنق والقوة بعيدًا فالأغلب من حاله العفو، وأن يمن عن قدرة، فتكون حال المقتص منه غير مخوفة، كالأسير إذا كان في يد من يعفو عن الأسرى.

فصل: فإذا تقرر ما وصفنا فالأمور المخوفة ضربان:

أحدهما: ما دخل في الحسن وماس البدن كالأمراض فهي مخوفة إذا كان عليها التوحية.

والثاني: ما فارق الجسم واختص بحاله كالأسير والملتحم في القتال، فإن تردت

<<  <  ج: ص:  >  >>