والثاني: لا تبطل؛ لأنه ممنوع من التصرف في حياة الموصي فلم يجز أن يكون ممنوعًا بحدوث الجنون، وليس كذلك حاله بعد الموت.
فصل: وأما الشرط الثالث: وهو الحرية، فلأن العبد مولى عليه الرق، فلم يصح أن يكون واليًا، ولأنه ممنوع لحق السيد، فلم يقدر على التصرف، وسواء كان عبد نفسه، أو عبد غيره.
وقال مالك: تجوز الوصية إلى عبد نفسه وعبد غيره.
وقال أبو حنيفة: تجوز إلى عبد نفسه إذا كان ولده أصاغر، ولا تجوز إلى عبد غيره، ولا إذا كان ولده أكابر تعليلًا بأن عبده مع أصاغر ولده محتبس الرقبة ممنوع من بيعه، فصح نظره عليهم، ودامت ولايته إلى بلوغهم. وهذا التعليل فاسد من وجهين:
أحدهما: أن احتباس رقبته عليهم والمنع من بيعه في حقهم: لا يصح، لأنهم لو احتاجوا إلى نفقة لا يجدونها إلا من ثمنه جاز للحاكم بيعه في نفقاتهم.
والثاني: أن احتباس الرقبة لا يجيز من التصرف ما كان ممنوعًا منه، كالمجنون ولما ذكرناه من المعنيين المتقدمين. فأما المكاتب: فلا تجوز الوصية إليه، لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وجوزها أبو حنيفة.
وأما الوصية إلى المدبر، وأم الولد: ففي جوازها وجهان:
أحدهما: تصح، لأنهما يعتقان بالموت الذي يكون تصرفها بعده.
والثاني: لا يصح اعتبارًا بحالها عند الوصية.
فصل: وأما الشرط الرابع: وهو الإسلام لقوله تعالى: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلاًّ ولا ذِمَّةً} [التوبة: ١٠]. ولقوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لا يَالُونَكُمْ خَبَالاً ودُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران: ١١٨].
وهذا الآية كتب بها عمر إلى أبي موسي رضي الله عنهما حين اتخذ كاتبًا نصرانيًا، وقال أبو حنيفة: الوصية إليه موقوفة على فسخ الحاكم، فإن تصرف قبل أن يفسخها الحاكم عليه: كان تصرفه نافذًا.
وهذا فاسد؛ لأنه لا يخلو أن تكون الوصية إليه جائزة، فلا يجوز للحاكم أن يفسخها عليه، أو تكون باطلة فلا يجوز فيها تصرفه.
وإذا كان هكذا وجب أن يكون تصرفه فيما يتعلق بعقد أو اجتهاد مردودًا فأما ما تعين من دين قضاه، أو وصية بمعين لمعين دفعها فلا يضمنها، لوصول ذلك إلى مستحقه، ولأن لو أخذه مستحقه من غير نائب أو وسيط صار إلى حقه، وليس كالذي يعقده من بيع، أو يجتهد فيه من تفريق ثلث بل ذلك كله مردود وهو لما دفعه من ذلك ضامن.
فأما وصية الكافر إلى المسلم فجائزة لظهور أمانته فيها.
وأما وصية الكافر إلى الكافر ففيها وجهان:
أحدهما: وهو قول ابن أبي هريرة تجوز كما يجوز أن يكون الكافر وليًا لكافر.