فهذا على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يوصي إليهما مجتمعين، ومنفردين، فكل واحد منهما وصي كامل النظر، فأيهما انفرد بإنفاذ الوصايا، والنظر في أمور الأطفال جاز.
وإن اجتمعا عليه كان أولى، وإن مات أحدهما، أو فسق، فالباقي منهما هو الوصي، وليس للحاكم أن يجعل معه بدل الميت أو الفاسق أحدًا إلا أن يظهر منه ضعف فيقويه بغيره.
فصل: والقسم الثاني: أن يوصي إليهما مجتمعين على أن لا ينفرد أحدهما: بالنظر دون صاحبه، فعليهما الاجتماع في إنفاذ الوصايا والنظر في أموال الأطفال.
فإن انفرد أحدهما بشيء منهما، لم يجز وكان لما أمضاه من ذلك ضامنًا إن تعلق بعقد، أو اجتهاد، وإن كان معينًا من قضاء دين أو إنفاذ وصية عينت لمعين: لم يضمن. ولو مات أحدهما منع الباقي منهما من النظر حتى يقيم الحاكم مقام الميت غيره.
فلو أذن الحاكم أن ينفرد بالوصية: لم يجز، لأن الموصي لم يرض بنظره وحده. ولو ماتا جميعًا رد الحاكم الوصية إلى اثنين، فإن ردها إلى واحد ارتضاه لها ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز، لأنه لو نظر فيها الحاكم بنفسه، جاز وإن كان واحدًا فكذلك إذا استناب فيها واحدًا.
والثاني: أنه لا يجوز، لأن الموصي لم يرض في وصاياه إلا بنظر اثنين مجتمعين استظهارًا لنفسه في وصيته فلم يكن للحاكم أني حالفه في إرادته ويمنعه فضل استظهاره، وليس كالحاكم الناظر بنفسه.
فصل: والقسم الثالث: أن يوصي إليهما، فلا يأمرهما بالاجتماع، ولا يأذن لهما في الانفراد، فمذهب الشافعي: عليهما أن يجتمعا على الوصية إذا أطلقت وليس لواحد منهما التفرد بها، كما لو أمرهما بالاجتماع عليهما.
وقال أبو يوسف: يجوز لكل واحد منهما أن ينفرد بها.
وقال أبو حنيفة: يجوز انفراد كل واحد بما يخاف فواته، أو ضرره، وذلك سته أشياء: الكفن، ورد الودائع، وقضاء الديون، وإنفاذ الوصايا المعينة، والنفقة على الأطفال، وكسوتهم، وعليها الاجتماع فيما سوى هذه الستة، فإن انفرد بها أحدهما لم يجز.
وكلا المذهبين فاسد، لأن الوصايا موضوعة لفضل الاحتياط، وهي أغلظ حالًا من الوكالات، فلما كان توكيل اثنين على الإطلاق من تفرد أحدهما بالوكالة، كانت الوصية إلى اثنين على الإطلاق أولى أن يمنع من تفرد أحدهما بالوصية، ولأن تخصيص أبي حنيفة للستة من بين الجميع خوف الضرر، قول يفسد، لأنه لو ترك طعامًا رطبًا يخاف تلفه إن ترك لم يكن لأحدهما أن ينفرد ببيعه وإن خيف ضرره، فكذلك غيره، فعلى هذا: