ولا يقطعه سواء كان الحدث جنابة أو غيرها، وأراد به إذا كان هذا خارج المسجد، فإن كان في المسجد نظر. فإن كان غير الجنابة فكما قال: وإن كان جنابة حرم عليه المقام في المسجد فيحرم إلينا لا للأذان بل للمكان. وإنما قال: ولا يقطعه لأنه إذا قطعه وتطهر ورجع أخل بالإعلام، فإنه يشتبه على الناس بما يجعل بينهما من القطع وإذا مضى فيه أخل بالطهارة، إلا أن الإخلال بالطهارة في الأذان هيئة، والإعلام مقصود.
قال: فإن قطعه وتطهر ورجع بنى على أذانه، ولو استأنف كان أحب إلي، وإنما استحب الاسئتئناف لما وقع من الخلل في الإعلام.
مسألة: قال: "وأحب رفع الصوت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به"، وهذا كما قال: أراد
به في الأذان، وأراد بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم قوله لأبي محذورة:«ارجع ومدَّ صوتك». وقال في خبر عبد الله بن زيد:«ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتاً». وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه:«إني أراك تحب البادية والغنم [٢٢ أ/ ٢]، فإذا كنت في باديتك أو غنمك، فدخل وقت الصلاة، فأذن وارفع صوتك فإنه لا يسمع مدى صوتك حجر ولا مدر إلا شهد لك به يوم القيامة».
وروي أنه قال:«لا يسمع صوتك جن ولا أنس ولا شيء إلا شهد لك يوم القيامة». وروى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:«المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب يابس». وروي: مدّ صوته ويشهد له كل رطب ويابس وشاهد الصلاة، ويكتب له خمس وعشرون حسنة ويكفر عنه ما بينهما. وروى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يغفر للمؤذن منتهى صوته، ولا يسمع صوته رطب ولا يابس إلا جاء يوم القيامة يشهد له».
قال الإمام أبو سليمان: مدى الشيء غايته، والمعنى أنه يستكمل مغفرة الله تعالى إذا استوفى وسعه في رفع الصوت، فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت.