نزول هذه الآية أن عبدًا لحويطب سأله أن يكاتبه، فامتنع، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وأما السنة فما روى الشافعي، قال: أخبرنا سفيان قال: سمعت الزهري عن نبهان مولى أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها كاتبته، وإنما سألته كم بقي عليك من كتابتك فذكر شيئا سماه وأنه عنده فأمرته أن يعطيه أخاها أو ابن أختها وألقت الحجاب واستقرت منه، وقالت عليك السلام وذكرت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب عنه» وروي أنها قالت له: كم بقي عليك، قال: قلت: ألف درهم قالت: فعندك ما تؤدي قلت: نعم، قال: ادفعها إلى فلان ابن أختها ثم ألقت الحجاب، وقالت: السلام عليك هذا أخر ما تراني. وذكرت الخبر. قال الشافعي: ولم أحفظ عن سفيان أن الزهري سمعه من نبهان، ولست أراه يثبته أهل العلم، قال الشافعي: ويجوز أن يكون أمرها بالحجاب على ما عظم الله تعالى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين وخصهن به وفرق بينهن وبين النساء إن لم يفتين، قال الله تعالى:{ومَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ولا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا}[الأحزاب: ٥٣]، وقال تعالى [٤٣/ أ]: {وأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}[الأحزاب: ٦]، وقال تعالى في أزواج الرسول - صلى الله عليه وسلم -: {وإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن ورَاءِ حِجَابٍ}[الأحزاب: ٥٣]، فجعل عليهن الحجاب من المؤمنين، وهن أمهات المؤمنين، ولم يجعل على امرأة سواهن أن تحتجب ممن يحرم عليه نكاحها، فكان قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: إن كان قاله خاصة أو يكون ذلك بمعنى الاحتياط كما يجوز أن يؤمر بالاحتجاب من المراهق لقرب البلوغ ولأن احتجاب المرأة ممن له أن يراها واسع لها، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - سودة أن تحتجب من رجل قضى أنه أخوها وهي ترثه ويرثها للاحتياط فبان أن الاحتجاب ممن له أن يراها مباح.
وجملته أن الشافعي رضي الله عنه ذهب أن المرأة ليس عليها أن تحتجب من مكاتبها وإن كان عنده وفاء. وضعف حديث أم سلمة وتأوله على تخصيص أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو الاحتياط في الاحتجاب المباح، وأيضًا ما روى سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من أعان غارمًا أو غازيًا أو مكاتبًا في كتابته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله». وروي:«من أعان مجاهدًا في سبيل الله أو غارمًا في عسرته أو مكاتبًا في رقبته»، وروي عن سلمان الفارسي قال: كاتبت أهلي على أن أغرس لهم خمس مائة فسيلة فإذا علقت فأنا حر، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال:«اشترط لهم ذلك، فإذا أردت أن تغرس فآذني [٤٣/ ب] فآذنته» فجاء يغرس إلا واحدة غرستها بيدي ف علقن جميعًا إلا الواحدة. وروي: يغرس الكل إلا نخلة واحدة غرسها عمر