رضي الله عنه، وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال سلمان: كاتبني صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها وأربعين أوقية. وأيضًا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«أيما مكاتب كوتب على ألف أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو عبد، وأيما مكاتب كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد». وروي أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم».
وأما الإجماع فلا خلاف بين المسلمين فيه، وروي أن بريرة كوتبت على تسع أواق تؤدي في كل عام أوقية، وعرف حالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كاتب عبدًا له على خمسة وثلاثين ألف درهم. وروي أن ابن سيرين سأل أنس بن مالك رضي الله عنه أن يكاتبه، فأبى عليه فعلاه عمر رضي الله عنه بالدرة وقال: أما سمعت الله تعالى يقول: {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}[النور: ٣٣]، فكاتبه وترك عليه من مال الكتابة خمسة آلاف درهم، وروى مسلم بن أبي مريم عن رجل أنه قال: كنت مملوكًا لعثمان رضي الله عنه ف بعثني في تجارة فقدمت عليه فأحمد ولايتي فقمت بين يديه ذات يوم ف قلت: يا أمير المؤمنين أسألك الكتابة فقطب فقال: نعم، ولولا آية كتاب الله تعالى ما فعلت أكاتبك على مائة ألف على أن تعدها [٤٤/ أ] في عدتين والله لا أغصبك منها درهمًا.
فإذا تقرر هذا، فاعلم أن الكتابة مستحبة إذا طلب العبد ذلك ولا تجب، وبه قال جمهور العلماء، وقال عمرو بن دينار وعطاء والضحاك وداود: إذا دعا السيد إلى الكتابة بقدر قيمته حر يحب أن يكاتبه، واحتج بظاهر قوله تعالى:{فَكَاتِبُوهُمْ}[النور: ٣٣]، وهذا أمر والأمر على الوجوب. وأيضًا حديث عمر حين طلب سيرين الكتابة على ما ذكرنا، ودليلنا أنه عتق بعوض، فلا يجب على السيد كالاستسعاء. وأما الآية، قلنا: هذا أمر إباحة ورخصة لأنه مبني على محظور، فإن بيع الرجل ماله بماله محظور وهذا كقوله تعالى:{فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ}[المائدة: ٢] ونحو ذلك ونحمله على الندب بدليل ما ذكرنا، وأما خبر عمر رضي الله عنه، قلنا: خالفه أنس بن مالك والقياس مقدم على قول الصحابي عند بعضهم.