أورد عليه منه، وقال أبو حنيفة ومالك والثوري هو مستحب غير واجب ودليلنا قوله تعالى:{وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}[النور: ٣٣]، الآية. فأمر بالإيتاء وظاهره الوجوب، وروي عن علي رضي الله عنه موقوفًا ومرفوعًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في هذه الآية «ينزل للمكاتب ويحط به ربع الكتابة»، وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كاتب عبدًا لخمسة وثلاثين ألفا ووضع عنه خمسة آلاف. قال الشافعي أحسبه قال: من آخر نجومه، وروي عن ابن عباس أن عمر رضي الله عنهم كاتب عبدًا فجاءه بنجمه، فقال: اذهب فاستعن به في كتابتك، فقال: لو تركت حتى يكون آخر نجم، قال: إني أخاف أن لا أدرك ذلك ثم قرأ قوله تعالى: {وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}[النور: ٣٣]، وروي عن ابن عمر أنه قال في هذه الآية، يقول الله تعالى:«ضعوا عنهم من مكاتبتهم»، وروي عن فضالة، قال: كاتبني عمر رضي الله عنه فاستقرض من حفصة مائتي درهم فأعانني بها، فذكرت ذلك لعكرمة، فقال: هو قوله تعالى: {وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ [٧١/ أ] الَّذِي آتَاكُمْ}[النور: ٣٣]، فإذا ثبت هذا، فالكلام في الإيتاء في ثلاثة فصول في وقته وجنسه وقدره، فأما وقته فله وقتان وقت جواز ووقت وجوب، فأما وقت الجواز فهو بعد عقد الكتابة إلى وقت الأداء، وبعد الأداء والعتق لأن القصد منه منفعة العبد، وهذا يحصل في جميع هذه الأوقات.
وأما وقت الوجوب فقد اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: وقته بعد العتق كوقت المتعة في النكاح بعد الطلاق. والمذهب وهو اختيار أبي إسحاق وجماعة أن وقته قبل العتق لأن الله تعالى فرض للمكاتب سهمًا من الصدقات، وليس للسيد دفع صدقته إلى مكاتبه فوجب عليه بإزائه الإيتاء قبل العتق أيضا، ويفارق المتعة في الطلاق لأن الغرب بها أن لا يخلو العقد من عوض، وذلك يحصل بالإيجاب بعد الطلاق، والغرب بالإيتاء المعونة حتى يحصل له العتق ولا يحتاج إليها بعد العتق ومن أصحابنا من قال: تجب بالعقد ويتضيق وجوبه عند آخر نجومه، قال أبو إسحاق: وإنما يتعين عليه إذا بقي عليه من مال الكتابة قد ما يلزمه أن يدفعه إليه، وقيل: ذلك لا يتعين عليه ومنهم من قال: يجب إذا استأدى منه شيئا بعد العقد وجوبًا موسعًا ويتضيق عند آخر نجومه لأن الله تعالى قال: {وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}[النور: ٣٣]، فلا بد من أن يحصل من جهة المكاتب إيتاء شيء حتى يتناوله الأمر بذلك. وحكى القفال عن بعض أصحابنا [٧١/ ب] أنه قال: إذا حط أو أتاه مالا قبل آخر النجوم لا يجوز بل أن يحصل العتق بحطه أو يؤتيه بعد العتق ليحصل فيه كمال التمليك.