وأما جنسه فاليسد بالخيار بين أن يحط بعض ما عليه وبين أن يدفع إليه من عنده، فأما الدفع من عنده ثابت بنص الكتاب والحط ثابت بالنسبة بدليل ما ذكرنا من الأخبار والحط أولى من الإيتاء لأنه ربما يصرفه في مال الكتابة، وربما لا يصرفه وإذا حط تحقق نفعه به فكان الحط أولى، وقال الشافعي رضي الله عنه في «الأم»: ويجبر سيد العبد على أن يضع عنه مما عقد عليه الكتابة شيئا ومهما وضع منه لم يجبر على أكثر منه وهذا يدل على أن الحط هو الواجب، وقال بعض أصحابنا الأصل هو الإيتاء أم الحط فيه وجهان، أحدهما: الأصل هو إيتاء، ومعناه إذا أدى جميع النجوم يؤتيه السيد مالا يتعيش به أيامًا ليهيئ أمر نفسه والحط يقوم مقام الإيتاء، والثاني: الحط هو الأصل، والإيتاء يقوم مقامه لأنه لا معنى للأخذ منه والرد عليه، وهذا خلاف النص الذي ذكرنا، فإذا تقرر هذا فالحط لا يتصور إلا من مال الكتابة وفي الإيتاء مسائل، أحدها: أن يدفع إليه من نفس المال الذي أعطاه فيجوز ذلك، والثانية: أن يعطيه من غير الجنس الذي كاتبه عليه لا يجوز بلا خلاف لأن الله تعالى أمر أن يعطى من مال الله يعني مما كوتب عليه، وليس هذا منه نص على هذا في «الأم»، وقال: إلا أن يشاء العبد أن يأخذه، والثالثة: أن يعطيه من غير المال الذي أعطاه، إلا أنه من جنسه، فالمذهب أن ذلك لا يجوز [٧٢/ أ].
ومن أصحابنا من قال: يجوز لأنه ليس بآكد من الزكاة لو عدل عن العين إلى جنسه جاز، فهذا أولى وهذا غلط لظاهر الآية، وهي قوله تعالى:{وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} {النور: ٣٣]، وهذا غير ذلك هذا ذكره بعض أصحابنا، وقال القاضي الطبري: المشهور أنه يجوز ذلك. ومن أصحابنا من غلط، فقال: لا يجوز لأنه الشافعي قال: ويعطيه مما أخذه. والجواب عنه أن الشافعي أراد من جنسه لا من عينه، وهذا أصح عندي ومعنى قوله: لا يجوز، أي لا يجبر على قبوله فإن وصى المكاتب فلا شك في جوازه.
وأما قدر الإيتاء فليس بمحدود بل للسيد أن يدفع إليه ما شاء مما يقع عليه اسم المال وإن كان حبة نص عليه في «الأم». وقال أبو إسحاق: يعتبر بمال الكاتهابة فيضع على حسب قلته وكثرته، فإن تراضى العبد والسيد على شيء منه، وإلا رفع إلى الحاكم حتى يجتهد فيه فيضع عنه ما يؤدي إليه اجتهاده كما نقول في المتعة على الموسع قدره على المقتر قدره، وهذا له وجه، ولكن خلاف نص الشافعي رضي الله عنه. والمستحب أن يضع ربع الكتابة للخبر الذي ذكرنا، ومن أصحابنا من قال: الثلث وليس بشيء.
فرع
لو أدى جميع مال الكتابة وامتنع السيد من الإيتاء، فللمكاتب أن يطالبه به متى شاء