قال في "الأم": "لو دبغ وترك عليه شعر فيما بين الماء الشعرة نجس الماء، وإن كان الماء في باطنه والشعر على ظاهره لم ينجس الماء. قال صاحب "الإفصاح": وهذا يدل على أن جلد الميتة إذا دبغ بماء نجس طهر. وقال القاضي الطبري: هذا لا يجيء على مذهب الشافعي، وتأويله: أنه غسل باطنه بالماء القراح، ثم جعل فيه الماء، وإذا دبغ بشيء نجس يحتاج إلى الماء القراح بلا خلاف.
وقال بعض أصحابنا: بخراسان: هل يطهر به؟ وجهان. وهذا لا وجه له؛ لأنه يؤدي إلى أن لا سبيل إلى تطهيره؛ لأنه لا يمكن رده غير مدبوغ، والصحيح أنه يطهر ويغسل بالماء بعده.
فرع آخر
جلد ميتة الغير ودبغة فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون ملكاً لربه. والثاني: يكون ملكاً لدابغه. والثالث: إن كان رب الجلد رفع يده، فإن ألقاه فأخذه الدابغ كان ملكاً للدابغ، وإن لم يكن قد رفع يده كان لربه.
وأما الفصل الثاني: وهو الكلام في جواز بيعه: فلا خلاف أنه لا يجوز بيعه قبل الدباغ. وحكي عن أبي حنيفة أنه قال يجوز بيعه؛ لأنه يمكن تطهيره ولا يصح عنه، بل هو قول بعض السلف وهو ربيعة، وهو غلط؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: "إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه". وهذا الجلد محرم قبل الدباغ.
وقال: أصحابنا: يجوز استعماله في اليابسات ويجوز هبته على سبيل نقل اليد والوصية به أيضاً على سبيل [٣٣ أ/ ١] التمليك. وأما بيعه بعد الدباغ، قال في "القديم": لا يجوز، وبه قال مالك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شاة ميمونة: "هلا أخذتم إهابها فانتفعتم به".
فخص الانتفاع فلا يحل ثمنه. وقال في "الجديد" وهو الصحيح، وبه قال كافة العلماء: يجوز بيعه؛ لأنه طاهر منتفع به ليس في بيعه إبطال حقه، فجاز بيعه كالزكاة، فأما ما ذكر فلا يصح؛ لأن بيعه من جملة الانتفاع به، وعلى هذا أصل هل يجوز إجارته؟ وجهان كالكلب. وقيل يجوز إجارته وهبته والوصية به قولاً واحداً، وإنما القولان في بيعه ورهنه.
وأما الفصل الثالث وهو الكلام في جواز أكله: قال أصحابنا بالعراق: وإن كان جلد حيوان لا يؤكل لا يجوز أكله قولاً واحداً؟ لأنه لا يحل بالزكاة مع أنها أقوى، فلأن لا يحل بالدباغ أولى، وإن كان جلد حيوان يؤكل فيه قولان. قال في "القديم": لا يحل أكله وهو الصحيح؛ لأنه جلد طاهر من حيران مأكول، فأشبه المزكي وأما الخبر فقد روى: "إنما حرم من الميتة لحمها".