حرم أكلها": تحريماً لا يرتفع وتحريم الجلد يرتفع. قالوا: لو كان نجساً لم يطهر بالدباغ؟ قيل:
يجوز أن يكون الشيء نجس العين وينقلب طاهراً كالخمر يصير خلاً.
فإذا تقرر هذا فالكلام الآن في ثلاثة فصول: أحدها: فيما يدبغ به الجلد. والثاني: في جواز بيعه. والثالث: في جواز أكله.
فأما ما يدبغ به الجلد: فيجوز أن يدبغ بما كانت العرب يدبغون به من القرظ والشب هكذا في الخبر. قال أصحابنا: والشب أفصح، وروي ذلك وهو شيء يشبه الزاج وقيل: الشت بثلاث نقط، هو شجر من الطعم لا يعلم هل يدبغ به أم لا؟ والقرظ: ورق شجرة تنبت بتهامة يدبغ به الجلد. ويجوز أيضاً بكل ما يقوم مقامها من العفص وقشور الرمان، وما أشبه ذلك مما ينشف الفضول ويزيل الرطوبة حتى لا يفسد بورود الماء عليه. وفي خبر ميمونة -رضي الله عنها - ذكر القرظ والشب، وقال قي خبر آخر: "ويطهرها الماء والقرظ". فصار تنبيها على ما يقوم مقامها.
ومن أصحابنا من قال: يعتبر فيه ثلاثة أوصاف؛ أن ينشف فضوله الظاهرة، ورطوبته الباطنة، وأن يطيب الرائحة [٣٢ أ/ ١]، وأن يبقي على حالته بعد الاستعمال. فلا يفسد بورود الماء عليه مدة.
ومن أصحابنا عن زاد وصفاً رابعاً، فقال: وأن ينقل اسمه من الإهاب إلي الأديم والشت. وقال الشافعي: "ولا يجوز بالتراب ولا بالملح" وهذا صحيح؛ لأنه لا يصلحه على ما ذكرنا، وكذلك الشمس لا تطهره.
وحكي عن أبي حنيفة أنه قال: يطهرها التتريب والشمس؛ لأنها تجففه وتنشف فضوله، وهذا غلط؛ لأنه لا يأمن الفساد، ومتى لحقه بالماء عاد إلي حاله. وذكر بعض أصحاب أبي حنيفة أنه إنما يطهره ذلك إذا عملت فيه عمل الدباغ على ما ذكرنا.
وقد قال أصحابنا: إن كان الرماد ونحوه يصلحه يجوز به الدباغ أيضاً، ثم إذا دبغ الجلد وأحكمه، قال أبو إسحاق: لا يطهر حتى يغسل بالماء القراح ليطهر ما جاوره من النجاسة؛ لأن ما لاقاه نجس به.
وقال بعض أصحابنا: يطهر بالدباغ ولا يحتاج إلي الماء، وهو ظاهر السنة، ولأن العين انقلبت فصارت طاهرة كالخمر يصير خلاً. وبه قال صاحب "التلخيص" كل نجاسة لا يجزئ في تطهيرها إلا الماء إلا الاستنجاء والدباغ، والأول أصح وأقيس.
فرع
ما يتناثر من الجلد من أجزاء والدباغ هل يكون نجساً؟ فإن قلنا: يجب غسل الجلد وهو المذهب، فهو نجس، وإن قلنا: لا يجب غسل الجلد فتلك الأجزاء طاهرة؛ لأن نجاستها لنجاسة الجلد، فإذا زالت نجاسة الجلد حكم بطهارتها كما يحكم بطهارة المزر إذا انقلب خلاً.