للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل

جملة هذا أن الحربي ملكه ثابت على ماله وتصرفه كتصرف المسلم في ماله، وإذا كاتب عبده صحت كتابته كما يصح بيعه ويصح عتقه المنجز والمعلق بصفة، وقال مالك: لا ملك له، وقال أبو حنيفة: لا ملك له صحيحًا وكتابته لا تصح، وكذلك إعتاقه، ودليلنا قوله تعالى: {وأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ ودِيَارَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: ٢٧]، فأضاف ذلك إليهم وحقيقة ذلك يفيد الملك.

فإذا تقرر هذا وكاتبه في دار الحرب، ثم دخلا دار الإسلام مستأمنين، أو دخلا دار الإسلام بأمان ثم كاتبه، فإنهما ما لم يترافعا إلى الحاكم ويتخاصما إليه الا يتعرض لهما بل نقرهما على ما فعلاه، فإن ترافعا إليه يحكم بينهما بحكم الإسلام، فإن كانت صحيحة في الإسلام أعلمهم صحتها، وأقرهم عليها، وإن كانت فاسدة أعلهم فسادها، وأنه لا يجوز الإقرار عليها فإن قهر العبد سيده على نفسه في دار الحرب، ثم دخل دار الإسلام بأمان ومعه السيد ف قد ملك نفسه وانفسخت الكتابة فيه وملك السيد بقهره إياه ويقر على ذلك لأن دار الحرب دار قهر وغلبة ولذلك لو قال سيده: لا أرضى بالكتابة وقهره على نفسه واستعبده وحمله إلى دار الإسلام كان عبده وبطلت الكتابة، ولو دخلا دار الإسلام ثم قهر سيده على نفسه أو قهره السيد لا حكم لهذا القهر لأن دار الإسلام ليست بدار قهر [١٢٦/ ب] وغلبة، بل هي دار حق وإنصاف.

مسألة: قال: «ولو كان السيد مسلمًا فالكتابة ثابتة».

أراد بهذا أن المسلم لو كاتب عبده الكافر في دار الحرب فكتابته ثابتة ككتابته في دار الإسلام فلو قهره على نفسه، ثم حمله إلى دار الإسلام لم تبطل الكتابة بالقهر لأن كتابته له أمان لأن الكتابة عقد يمنع السيد عن نفسه وماله فكان بمنزلة الأمان فلم يجز له استرقاقه وقهره، ويخالف الحربي لأن أمانه للكافر لا يصح، وقد فسره الشافعي رضي الله عنه في «الأم» ونقله المزني مختصرًا.

فإن أدى المال عتق وثبت للمسلم عليه الولاء، ثم يقال له: إلى الآن كنت تابعًا لسيدك وقد صرت حرًا وصار لك حكم نفسك، فإن شئت فاعقد لنفسك عقد الذمة وإن شئت فالحق بدار الحرب، فتكون حربيًا لنا.

فإن لحق بدار الحرب وظهر المسلمون على الدار لم يجز استرقاقه لولاء المسلم عليه، ويفارق هذا إذا كان للمسلم ابن حربي حيث يجوز استرقاقه لأنه ليس في ذلك إبطال نسبه، وفي هذا إبطال الولاء، وقد قال الشافعي ههنا: «فإن سبي لم يكن رقيقًا» يعني إن سبي مكاتب المسلم بعد الأداء لأنه علل فقال: «لأن له أمانًا من مسلم بإعتاقه إياه» وهذا أيضًا اختصره المزني وشرحه في «الأم» هكذا، ثم قال: ولو كان

<<  <  ج: ص:  >  >>