يعني إذا كاتب عبدًا على دراهم ثم أبرأه من دنانير أو كاتبه على دنانير ثم أبرأه عن دراهم لا يصح الإبراء بهذا الإطلاق لأنه أبرأه عما لا يستحقه فصار كما لو كان له على عمرو حق فأبرأه زيدًا منه، ولو أبرأه من ألف درهم وله عليه دنانير، ثم قال: أردت بذلك دنانير قيمتها ألف درهم قبل ذلك وبرئت ذمته عن القدر الذي أراده لأنه إبراء عما يستحقه كما لو قال: على ألف درهم إلا قفيز حنطة، وقال: أردت إلا دراهم بقيمة قفيز حنطة يقبل ذلك، ويكون مستثنيًا القيمة بالقفيز من ألف درهم، كذلك ههنا [١٤٧/ ب] ذكره أبو إسحاق.
واعلم أن الشافعي رضي الله عنه علل في مسألة الكتاب، فقال: لم يجز لأنه استيفاء، فهذه العلة مشكلة، وذلك أنه لو استوفى بدل الدنانير دراهم جاز، فكيف منع الجواز؟ فقال: لأنه استيفاء، وإزالة هذا الإشكال بأن يقال: أراد لأنه كالاستيفاء، ولو بطل الاستيفاء الذي ظننا أنه استيفاء صحيح لم يعتق كذلك إذا بطل الوضع الذي ظننا أنه أبراءٌ صحيح لم يعتق.
فزع
لو اختلفا، فقال السيد في اللفظ المطلق: أردت به الدراهم، وقال المكاتب: بل أردت قيمة الدراهم من الدنانير، فالقول قول السيد لأنه اختلاف في إرادته، وهو أعلم بذلك، وهكذا لو مات السيد، واختلف المكاتب وورثة السيد فيما ذكرنا، فالقول قول الورثة لأنهم يقومون مقامة، فإن لم يحلف السيد أو الورثة على العلم بإرادة الميت ترد اليمين إلى المكاتب، فإذا حلف حكم به، وهكذا لو أوصي أن يوضع عنه كذا، وهو غير ما وجب عليه، فالوصية باطلة إلا أن يريد: ضعوا بقدر هذه الدنانير من الدراهم التي عليه فيصح.
فزع آخر
مسألة: ولو قال: «قد استوفيت آخر كتابتك إن شاء الله أو إن شاء فلان لم يجز».
قد بينا فيما مضي أن الاستثناء يبطل الأقارير والعقود كلها، وقال ههنا: إذا قال: استوفيت إن شاء الله، أو إن شاء فلان لم يجز ولم يكن بهذا إقرارًا لأنه استثناءٌ، قال أبو إسحاق: أما قوله: إن شاء الله استثناء لأنه يستوفي إن شاء الله. [١٤٨/ أ] فأما قوله: إن شاء فلان، فليس باستثناء، وإنما هو كلام محال لأن بمشيئة زيدٍ لا يصير مستوفيًا فلفظ الاستثناء في أحد المشيئتين صحيح دون الآخر، وهكذا ذكر صاحب «الإفصاح»، فقال: إن مشيئة الله تعالى فيما يستقبل، فأما ما دفع فقد سبقت المشيئة