أباهي بكم الأمم حتى السقط". وليست المكاثرة واجبة وكذلك ما جعل طريقا إليها. أما قوله: إن فيه تحصين النفس فإنما يجب من تحصين النفس ما خيف منه التلف وليس في ترك النكاح خوف التلف.
وأما قوله لما لزمه إعفاف أبيه لزمه إعفاف نفسه. فقد كان أبو علي بن خيران يقول: إنه إعفاف أمته لا يجب عليه كما لا يجب عليه إعفاف أبيه وظاهر المذهب وجوبه ولا يجب عليه في نفسه كما يلزمه في حق أبيه القيام بكفايته من القوت والكسوة ولا يلزمه ذلك في حق نفسه، فكذلك النكاح. فأما قول عمر لأبي الزوائد: "ما منعك من النكاح إلا عجز أو فجور" فهو على طريقة الترغيب د ون الوجوب ولو كان واجبا لزمه وأما قول معاذ: زوجوني لا ألقى الله عزباً فقد قيل: إنه كان ذا أولاد ويجوز أن يكون اختار ذلك ندباً.
قال في الحاوي: وهذا صحيح وجملته أنه لا يخلو حال الإنسان من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون تائق النفس إلى النكاح شديد الشهوة له تنازعه نفسه إليه وان لم يحدثها به، فهذا مناوب إلى النكاح ومأمور به, ونكاحه أفضل من تركه، لئلا تدعوه شدة الشهوة إلى مواقعة الفجور، وفي مثله وردت أخبار الندب.
والثاني: أن يكون مصروف الشهوة عن غير تائق إليه. ومتى حدث نفسه به لم ترده فالأفضل لمثل هذا أن لا يتعرض له وتركه أفضل له من فعله. لئلا يدعوه الدخول فيه إلى العجز عما يلزمه من حقوق وفي مثله وردت أخبار الكراهة. وقد أثنى الله تعالى على يحيى بن زكريا في ترك النساء فقال:{وسَيِّدًا وحَصُورًا} [آل عمران: (٣٩)] وفيه تأويلان:
أحدهما: أن السيد: الخليفة، والحصور: الذي لا يأتي النسا،، وهذا قول قتادة.
والثاني: أن السيد: الفقيه: والحصور الذي لا يقدر محلى إتيان النسا،، وهذا قول سعيد بن المسيب. وذكر الله تعالى:{والْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} [النور: (٦٠)]. والقواعد: هن اللاتي قعدن بالكبر عن الحيض والحمل فلا يردن الرجال ولا يريدهن الرجال.
والثالث: أن يكون معتدل الشهوة إن صبرت نفسه عنه صبر، وان حاثها به فسدت