للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّي أُبَاهِي بِكُمْ الأُمَمَ حَتَّى بالسَّقَطِ" وَأَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِى فَلْيَسْتَنَّ بسُنَّتِي وَمِنْ سُنَّتِى النَّكَاحُ" وَيُقَالُ: إنَّ الرَّجُلَّ لَيُرْفَعُ بِدُعَاءِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ".

قال في الحاوي: وهذا كما قال، النكاح مباح وليس بواجب.

وقال داود: النكاح واجب استدلالا بقوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ} [النساء: (٣)] وهذا أمر وبقوله عليه السلام: "تناكحوا تكثروا" قال: ولأنه إجماع بقول صحابيين لم يظهر خلافهما:

أحدهما: قول عمر لأبي الزوائد لا يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور.

والثاني: قول معاذ في مرضه: زوجوني لا ألقى الله عزبا ولأن في النكاح تحصين النفس مثل ما في الغذاء. فلما لزم تحصينها بالغذاء لزم تحصينها بالنكاح؟ ولأنه لما لزمه إعفاف أبيه كان إعفاف نفسه أولى.

ودليلنا قوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاعَ فَإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: (٣)] ومنه دليلان:

أحدهما: أنه علق بطيب النفس. ولو كان لازما واجبا للزم بكل حال.

والثاني: قوله: {فَإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: (٣)] فخيره بين النكاح وملك اليمين والتخيير بين أمرين يقتضي تساوي حكمهما. فلما كان ملك اليمين ليس بواجب النكاح بمثابته وقال تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنكُمْ وأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ} [النساء: ٢٥] فأباح نكاح الأمة لمن خشي الزنا. وجعل الصبر خيرا له ولو كان واجبا لكان الصبر شرا له.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خياركم بعد المائتين كل خفيف حاذ" قيل: ومن الخفيف الحاذ قال: "الذي لا أهل له ولا ولد" وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصبر على النساء خير من الصبر عليهن، والصبر عليهن خير من الصبر على النار".

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مسكين مسكين رجل لا امرأة له، ومسكينة مسكينة امرأة لا رجل لها" فأخرج ذلك مخرج الرحمة وتارك الواجب لا يرحم. ولأنه لما لم يجب مقصود النكاح وهو الوطء، كان النكاح بأن لا يجب أولى، ولأنه ليس في النكاح أكثر من نيل شهوة وأدارك لذة وليس ذلك بواجب كسائر الشهوات؟ ولأنه لو وجب عليه قطع شهوته بالنكاح لوجب قطعها عنا العجز عنه بما قام مقمامه من دواء وعلاج؟ ولأن ما دعت إليه الشهوات خارج من جملة الواجبات؟ لأن من صفات الواجبات تكلف المشاق فيها وتحمل الأثقال لها، فأما الآية فقد جعلناها دليلا.

وأما الخبر فهو أمر بالنكاح للمكاثرة بالأولاد, ولأنه قال: "تناكحوا تكثروا فإن

<<  <  ج: ص:  >  >>