قال في الحاوي: وهذا الأمر المروي عن عمر وإن كان دليلاً على إبطال النكاح بغير ولي, فالمقصود به على المتناكحين بغير ولي من الأحكام, فإذا تناكح الزوجان بغير ولي فلا يخلو حالهما من أن يترافعا فيه إلى الحاكم لم يخل حال من أحد الأمرين:
إما أن يكون شافعيًا يرى إبطال النكاح بغير ولي, أو يكون حنفيًا يرى جواز النكاح بغير ولي, فإن كان شافعيًا يرى إبطال النكاح بغير ولي, حكم بإبطاله وفرق بينهما, فإن اجتمعا حكم فيه بمذهبه وقضى بينهما على الإصابة بعد تفريق الحاكم بينهما كانا زانيين عليهما الحد؛ لأن شيهة العقد قد ارتفعت بحكم الحاكم بينهما بالفرقة, فلو ترافعا بعد إبطال الحاكم الشافعي إلى حاكم حنفي لم يكن له أن يحكم بجوازه لنفوذ الحكم بإبطاله, وإن كانا في الابتداء قد ترافعا إلى حاكم حنفي يرى صحة النكاح بغير ولي, فحكم بينهما بصحته, وأذن لهما بالاجتماع فيه, فلم يكن عليهما في الإصابة حدّ لنفوذ الحكم بالإباحة, فلو ترافعا بعد الحكم الحنفي بصحة إلى حاكم شافعي فهل له أن يحكم بإبطاله وينقص الحكم الحنفي بصحته وإمضائه أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: له الحكم بإبطاله ونقص حكم الحنفي بإمضائه, لما فيه من مخالفة النص في قوله: "فنكاحها باطل" ثلاثًا.
الثاني: أنه ليس له أن ينقص حكمًا قد نفذ باجتهاد والنص فيه من أخبار الآحاد.
فرع:
وإذا لم يترافعا فيه إلى الحاكم ولا حكم فيه بأحد الأمرين من صحة أو إبطال, فإن لم يجتمعا فيه على الإصابة حتى افترقا فلا عدة عليهما؛ ولا مهر لها, وإن مات أحدهما لم يتوارثا, وإن اجتمعا فيه على الإصابة لم تخل حالهما من ثلاثة أقسام:
أحدهما: أن يعتقد الإباحة.
والثاني: أن يعتقدا تحريمه.
والثالث: أن يجهلا حكمه. فإن اعتقدا الإباحة لاعتقادهما مذهب أبي حنيفة فيه فلا حدّ عليهما. لاستباحتهما له من اجتهاد مسوغ فإن قيل: أفليس لو شرب النبيذ من اعتقد مذهب أبي حنيفة في إباحته حددتموه فهلا حددتم هذا مع اعتقاده إباحته؟ قيل: الفرق بينهما في وجهين:
أحدهما: أن الشبهة في النكاح بغير ولي أقوى لتردده بين أصلي حظر من زنا وإباحة من نكاح, وإباحة الشبهة في النبيذ الذي لا يرجع إلا أصل واحد في الحظر والتحريم وهو الخمر.
والثاني: أن النكاح الذي عقده ولي جعل له سبيل بولي, فاقتصر في الزجر عنه مجرد النهي, وليس كالنبيذ الذي لا سبيل إلى استباحته فلم يقتصر في الزجر