للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من القرآن شيئًا فقال: نعم. قال: ماذا: قال: سورة كذا وكذا قال: "أملكتاكها بما معك في القرآن" قال: فلقد رأيته يمضي وهي تتبعه فدل صريح هذا الحديث على أن انعقاد النكاح بلفظ التمليك وصار حكم الكناية في انعقاده كالصريح، ولأنه عقد يقصد به التمليك فجاز أن ينعقد بلفظ التمليك كالبيع، ولأنه عقد يستباح به البضع فجاز أن يستفاد بلفظ الهبة كتمليك الإماء، ولأن ما انعقد به نكاح النبي صلى الله عليه وسلم انعقد به نكاح أمته كالنكاح، ولأن أحدى طرفي النكاح فجاز أن يستفاد بالصريح والكناية كالطلاق، ولأنه ينعقد بالعجمية، لأنها في معنى العربية فدل على أن المقصود ف العقد معنى اللفظ دون اللفظ والتمليك في معنى النكاح فصح به العقد كالنكاح، ودليلنا قوله تعالى: {وامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إن وهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:٥٠] فجعل الله تعالى النكاح بلفظ الهبة خالصة لرسوله دون أمته. فإن قيل: فالآية تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد يجعلها الله له خالصة من دون المؤمنين، وليس في الآية أمر من الله تعالى ولا إذن فيه فلم يكن في مجرد الطلب دليل على الإباحة.

قيل: قد اختلف الناس هل كان عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها منه؟ فذهب جمهورهم إلى أنه قد كان عند امرأة وهبت نفسها له واختلفوا فيه على ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنها أم شريك قاله عمرو بن الزبير.

والثاني: أنها خولة بنت حكيم قالته عائشة.

والثالث: أنها زينب بنت خزيمة أم المساكين، قاله الشعبي.

فعلى هذا لو لم يكن في الآية دليل على الإباحة إلى ما شاء له من التخصيص لكان فعله دليلًا عليه. وقال آخرون: لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له، وهذا قول ابن عباس ومجاهد وتأويل من قرأ بالكسر "إن وهبت" محمول على المستقبل، ومن قال بالأول فهو بقراءة من قرأ بالفتح: "أن وهبت" على الماضي وتأويله على هذا أن يكون سياق الآية دليلًا على التخصيص، لأن قوله: {وامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إن وهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: ٥٠] حكاية للحال قوله: {إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا} إخبار عن حكم الله، ثم قال: {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ} مواجهة من الله تعالى له بالحكمة من غير أن يكون من رسوله طلب، فلم يجز أن يكون محمولًا إلا على ابتداء الحكم وبيان التخصيص.

فإن قيل: إنما خص بسقوط المهر ليكون اختصاصه به مقيدًا ولم يخص أن يعقد بلفظ الهبة، لأن اختصاصه بل غير مفيد قيل: بل هو محمول على اختصاصه بالأمرين اعتبارًا بعموم الآية وليكون اختصاصه بحكم غيره بهذا اللفظ لتعدي حكمه إلى غيره فيبطل التخصيص، ويدل على ما ذكرنا من طريق السنة ما رواه أبو شيبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "إن النساء عوان عندكم

<<  <  ج: ص:  >  >>