للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يملكن من أمورهن شيئًا إنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكتاب الله. ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، ولكن عليهن أن لا يوطئهن فراشكم أحدًا وأن لا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه فإن فعلن من ذلك شيئًا فقد حل لكن أن تضربوهن ضربًا غير مبرح. ألا هل بلغت قالوا: اللهم نعم قال: اللهم فاشهد". فموضع الدليل من هذا الحديث قوله: "واستحللتم فروجهن بكتاب الله". وليس في كتاب الله إلا لفظ النكاح والتزويج فدل على أنه لم يستحل الفروج إلا بهما، ويدل عليه من القياس: أنه عقد منفعة لم ينعقد بلفظ كالإجارة، ولأنه عقد معاوضة فلك ينعقد بلفظ الهبة كالبيع، ولأن لفظ الهبة موضوع لعقد لا يتم إلا بالقبض فلم ينعقد به النكاح كالرهن، ولأنه أحد طرفي العقد فلم يصح بلفظ الهبة كالطلاق، ولأن ما كان صريحًا في عقد لم يكن صريحًا في غيره كالإجارة والبيع، ولأن ما لم يكن صريحًا في النكاح لم ينعقد به النكاح كالإباحة والإحلال، ولأنه هبة المنافع إن لم يكن معها عوض فهي كالعارية، وإن كان معها عوض جرت مجرى الإجارة عندهم، والنكاح لا ينعقد بالعارية، والإجارة، فكذلك بما اقتضاهما من الهبة، ولأن الحقيقة في عقد لو صارت حقيقة في غيره لبطلت حقائق العقود، لأن لفظ الكتابة يقوم مقام التصريح بالنية وهي مما لا يعلمها الشهود ينافيان النكاح بدليل أن من تزوج أمة، ثم ابتاعها أو استوهبها بطل نكاحها وما نافي النكاح لم ينعقد به النكاح كالطلاق ولأنه لفظ يوضع لإسقاط ما في الذمم فلم ينعقد به كالإبراء. ولأنه لو انعقد النكاح بلفظ البيع لانعقد البيع بلفظ النكاح وفي امتناع هذا إجماعًا وامتناع ذلك حجاجًا. فأما الجواب عن قوله: "قد ملكتها بما معك من القرآن". فهو أن أبا بكر النيسابوري قال: وهم فيه معمر فإنه ما روي "قد ملكتها" إلا معمر عن أبي حازم.

وقد روى مالك، وسفيان عن عيينة، وحماد بن زيد، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وفضيل بن سليمان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "زوجتكها بما معك من القرآن" وهذه الرواية أثبت لكثرة عدد الرواة، وأنهم خمسة علماء، ثم تستعمل الروايتين فتحمل رواية من روى: "قد زوجتكها" في حال العقد ومن روى: "قد ملكتها" على الإخبار بعقد عما ملكه بالعقد. وأما الجواب عن قياسهم على أحكام البيع بأنه عقد يقصد به التمليك فهو أن لأصحابنا في عقد البيع بلفظ التمليك وجهان:

أحدهما: لا يصح، لأن التمليك من أحكام البيع فلم ينعقد البيع، فعلى هذا يبطل الأصل.

والثاني: أن البيع ينعقد به، فعلى هذا يكون المعتبر في انعقاد البيع بلفظ التمليك وجود التمليك فيه على عمومه وقصوره في النكاح على العموم، لأنه يملك كل المبيع ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>