للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبلت أن ينعقد النكاح فجرى مجرى قوله: قبلت نكاحها فعلى هذا القول إذا جعلناه قبولًا صحيحًا يكون قبولًا للنكاح والصداق جميعًا، لأن القبول مطلق فرجع إلى ما تقدم من ذكر النكاح والصداق وخالف قوله: قبلت نكاحها حيث جعلناه راجعًا إلى قبول النكاح الذي سماه دون الصداق الذي أغفله، لأن مع التسمية تصير تخصيصًا ومع الإطلاق يكون عمومًا. وإذا قيل بالقول الأول إن النكاح باطل وهو أصح القولين فدليله ما قدمناه أن عقد النكاح لا يتم إلا بصريح اللفظ دون المعنى وقوله: قبلت فيه معنى التصريح وليس بصريح فينعقد به النكاح وجاز أن ينعقد به البيع لأنه يتم بالصريح وبمعنى الصريح بخلاف النكاح وليس إطلاق جواب الصريح يكون صريحًا في جميع الأحوال ألا ترى لو قالت امرأة لزوجها: طلقني ثلاثًا. فقال: نعم لم يكن ذلك صريحًا في جميع الأحوال ألا ترى لو قالت امرأة لزوجها: طلقني ثلاثًا. فقال: نعم لم يكن ذلك صريحًا في طلاقها وإن كان جوابًا ولو قال: نعم: أنت طالق لم تكن ثلاثًا وإن سألته ثلاثًا فلم يسلم الاستدلال بالبيع لما ذكرنا من الفرق بينهما ولا كان إطلاق الجواب كالصريح لما ذكرنا. فأما إذا قرن النكاح بينهما بواسط من حاكم أو خطيب فقال للولي: زوجته فلانة، فقال: نعم، فقال الزوج: قبلت نكاحها. فقال: نعم لم ينعقد النكاح قولًا واحدًا، لأن صريح اللفظ لم يؤخذ من واحد منهما.

وقال أبو حنيفة: ينعقد بناء على أصله واعتبارًا بالبيع في أن رجلًا لو قال للبائع: بعته عبدك هذا بألف. فقال: نعم، وقال المشتري: اشتريته بالألف، فقال: نعم إن البيع منعقد فكذلك النكاح. وهذا خطأ لما ذكرنا في أن معنى الصريح لا يقوم في النكاح مقام الصريح ويقوم في البيع مقام الصريح، لأن النكاح لما خالف البيع في تغليظه بالولي والشاهدين خالفه في تغليظه بصريح اللفظ دون معناه، ولأنه قوله: نعم إقرار وبضع المنكوحة لا يملك بالإقرار فهذا حكم عقد النكاح بالبذل والقبول.

فصل:

فأما عقده بالطلب والإيجاب فهو أن يبدأ الزوج فيقول للولي: زوجني بنتك على صداق ألف فيقول الأب: قد زوجتكما على هذا الصداق فيصح العقد ولا يحتاج الزوج إلى أن يعود فيقول: قد قبلت نكاحها ووافقه أبو حنيفة عليه. وكذلك في البيع إذا ابتدأ المشتري فقال: بعني عبدك بألف. فقال: قد بعتك هذا العبد بها صح البيع ولم يحتج المشتري أن يقول بعده قد قبلت. وخالفه أبو حنيفة في البيع فقال: لا يصح حتى يعود المشتري فيقول: قد قبلت بخلاف النكاح وهذا خطأ، لأن شروط النكاح أغلظ من شروط البيع. فكان ما يصح به النكاح أولى أن يصح به البيع فإذا صح ما ذكرنا من تمام العقد بالطلب والإيجاب كتمامه بالبذل والقبول كان البذل هو ما ابتدأ به الولي والقبول ما أجاب به الزوج فإن الطلب ما ابتدأ به الزوج والإيجاب ما أجاب به الولي فيكون النكاح منعقدًا من جهة الولي على أحد الوجهين:

إما بالبذل إن كان مبتدئًا أو بالإيجاب إن كان مجيبًا من جهة الزوج منعقد على أحد وجهين: إما بالطلب إن كان مبتدأ وبالقبول إن كان مجيبًا فصار طلب الزوج في الابتداء

<<  <  ج: ص:  >  >>