حتى هاجر إلى المدينة وكان يصلي فيها إلى بيت المقدس، ولم يمكنه التوجه إلى الكعبة لأن من استقبل بيت المقدس بالمدينة يكون مستدبراً للكعبة، فلا يمكنه ما كان بمكة فشق عليه ذلك. ومضى على هذا ستة عشر شهراً أو سبعة عشر، فسأل يوماً جبريل عليه السلام أن يسأل له ربه عز وجل أن يجعل قبلته الكعبة، فقال له: سله أنت فإنك من الله بمكان فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرج جبريل عليه السلام وكان يقلب النبي صلى الله عليه وسلم وجهه في السماء، فنزل قوله تعالى:"قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنواينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام"[البقرة: ١٤٤]. فنسخ القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة. وكان هذا في وقت صلاة العصر.
وقال أنس رضي الله عنه: كان في صلاة الظهر. «وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين منها نحو بيت المقدس، فانصرف إلى الكعبة». وقال الواقدي: كان هذا في يوم الثلاثاء للنصف من شعبان في السنة الثانية من الهجرة، وقيل: كان في رجب قبل بدر بشهرين.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: أول ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا، والله أعلم شأن القبلة والقيام الأول. وقال أيضاً: أول من صلى إلى الكعبة، [٤٢ أ/ ٢] وأوصى بثلث ماله وأمر أن يتوجه إلى الكعبة البراء بن معرور وابنه بشر بن البراء الذي أكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة المسمومة فمات، واختلف أصحابنا، هل استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس برأيه أو عن أمر الله تعالى على قولين:
أحدهما: برأيه، لأن الله تعالى خيره في قوله تعالى:"فأينما تولوا فثم وجه الله"[البقرة: ١١٥]، أي: قبلة الله، فاختار بيت المقدس وبه قال الحسن وعكرمة وأبو العالية والربيع بن أنسٍ.
والثاني: استقبله بأمر الله تعالى لقوله تعالى: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول"[البقرة: ١٤٣]. وبه قال ابن عباس وابن جريج وفي قوله تعالى:"إلا لنعلم من يتبع الرسول"[البقرة: ١٤٣] أربع تأويلات:
أحدها: ليعلم رسولي وأوليائي لأن من عادة العرب إضافة ما فعله اتباع الرئيس كما قالوا: فتح عمر رضي الله عنه سواد العراق.