من أن يدعي المطلق انقضاء عدتها وينكر فيكون القول قول المطلقة في استباحة عقده على أختها، والقول قولها في بقاء عدتها وتكون معتدة في حقها لا في حقه، واحترز بقوله:"من طلاقه" من ردتها فإنه يجوز له أن يتزوج بأختها وإن كانت المرتدة في عدتها، ومن أن يطأ أمه يبيعها، فيجوز أن يتزوج بأختها وإن كانت الأمة تستبرئ نفسها من وطئه. قال: لأن كل جمع منع منه عقد النكاح منعت منه العدة كالجمع بين زوجين، لأن العقد قد حرم عليها نكاح غيره من الأزواج كما حرم عليه نكاح أختها من المساء ثم كان تحريم غيره باقياً عليها في العدة وجب أن يكون تحريم أختها باقياً عليه في العدة.
ودليلنا في قوله تعالى:{فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم}[النساء: ٣] وقد يطيب له نكاح أختها في عدتها ولأنه جمع حرم على الزوج بالعقد فوجب أن يرتفع بالطلاق كالمطلقة قبل الدخول فإن قيل فالمطلقة قبل الدخول لما لم يحرم عليها نكاح غيره لم يحرم عليه والمطلقة بعد الدخول لما خرم عليها نكاح غيره حرم عليه.
قيل: إنما حرم عليها بعد الدخول نكاح غيره لأنها معتدة ولم يحرم عليه لأنه غير معتد، ولأنها مبتوتة يحل له نكاح أختها بعد العدة فحل له نكاح أختها قبل العدة كالمخبرة بانقضاء العدة ولأنها فرقة يمنع من وقوع فوجب أن يبيح ما حرم من الجمع يعقده كالوفاة، ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد فلم يحرم عليه نكاح أختها لأجلها كالأجنبية، ولأن المبتوتة من العقد أغلظ تحريماً عليه من الأجنبية لأن الأجنبية تحل بالعقد في الحال وهذه لا تحل له إلا بعقد بعد عدتين وزوج فلم يجز وهي أغلظ تحريماً من الأجانب أن يحرم بها ما لا يحرم بالأجانب، ولأن العدة تختص بالمرأة دون الزوج لقوله تعالى:{والْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: ٢٢٨] فلو منعت من الرجال للزم من العدة كما ألزمت ولو لزم من أحكام العدة كما لزمها لزمة سائر أحكامها من تحريم الطيب والزينة كما لزمها وفي المنع من إبراء أحكام العدة عليها فيما سوى النكاح منع من إجراء حكمها عليه في تحريم النكاح.
وأما الجواب عن قوله تعالى:{وأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}[النساء: ٢٣] فهو أن الطلاق مفرق فكيف يصير به جامعاً والجمع من الاجتماع. والفرقة ضد الاجتماع.
وأما قياسهم على الرجعية فتلك زوجته يقع عليها طلاقه وظهاره وتستحق بينهما التوارث وهذه قد صارت أجنبية لأنها لا يلحقها طلاقه ولا ظهاره ولا يتوارثان فلم يجز أن يجمع بينهما في تحريم الجمع كما يجمع بينهما في النكاح والعقد.
وأما قياسهم عليها فالمعنى فيها أنها معتدة والمعتدة محرم عليها نكاح غيره لئلا يختلط ماؤه بماء غيره وليس كذلك الرجل لأنه غير معتد وليس في عقده على غيرها اختلاط مائتين فافترقا.
فصل:
فأما الشافعي رضي الله تعالى عنه فإنه تكلم في هذا الموضع على إبطال مذهبهم