فأما من فرضه المعاينة فكل من يقدر على معاينة البيت فمن يكون بمكة في مسجدها أو منزل منها أو سهل أو جبل لا تجوز صلاته حتى يصيب استقبال القبلة، لأنه يدرك صواب عينه بمشاهدة ومعاينة.
وأما من فرضه الإحاطة، وهي اليقين دون المعاينة، فكل من كان بمكة في موضع لا يرى منه البيت إلا أنه نشأ بمكة، ويعلم جهة البيت يقيناً فهذا يلزمه أن يصيب استقبال البيت من طريق الإحاطة واليقين. وهكذا من يقدر على قبلة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة لأنها مقطوع بصحتها، لأنه لا يقر على الخطأ.
قال أصحابنا: وكذلك القبلة التي صلى إليها الصحابة كقوله قباء والكوفة.
وأما من فرضه الخبر: فكل من كان وراء جبل أبي قبيس وما أشبهه من الجبال، وهو غريب لا يعرف سمت البيت وعلى رأس الجبل من يخبره عنه من طريق المشاهدة، وهو ثقة يلزمه قبول خبره كمن وجد من يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [٤٣ أ/ ٢] نصاً يلزمه قبوله، ولا يجوز الاجتهاد فيه.
وأما من فرضه التقليد كالأعمى. وقال داود: يصلي الأعمى إلى أي جهة شاء، لأنه عاجز. وهذا غلط لظاهر الآية، وهي قوله تعالى:"فولوا وجوهكم شطره"[البقرة: ١٤٤]، ولأنه يمكنه السؤال فلا يكون عاجزأ.
وأما من فرضه الاجتهاد فكل من كان على صفة لا يقدر على معاينة ولا إحاطة ولا خبر لبعده عن مكَّة ففرضه الاجتهاد يستدل عليها بالرياح والنجوم والشمس والقمر، فمن غلب على ظنه جهة صلى إليها.
وأما من فرضه التفويض، فهو أن يدخل بلداً كبيراً كثير الأهل، قد اتفقوا على قبلتهم كالبصرة، وبغداد، فيستقبل قبلتهم تفويضاً، لاتفاقهم لأنه يبعد أن يكونوا على خطأ ويستدركه واحد، فإذا تقرر هذا، فكل من كان غائباً عن مكة يجوز له الاجتهاد فيها إذا تعذر معرفتها.