قال مالك: قال الزهري أراه علي بن أبي طالب رضوان الله عليه. وقد روي مثل ذلك عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وابن مسعود وعائشةً وعمار من غير أن يظهر خلاف فصار إجماعًا ولأن التحريم ضربان: تحريم تأبيد لتحريم أمهات الموطوءة وبناتها وتحريم جمع كتحريم أخوات الموطوءةً وعماتها فلما كان تحريم التأييد معتبرًا في وطء الإماء كالنكاح وجب بأن يكون تحريم الجمع معتبرًا في وطئهن كالنكاح ولأن ثبوت الفراش بالوطء أقوى من ثبوته بالعقد لأنه يثبت في فاسد الوطء إذا كان عن شبهه كما ثبت في فاسد العقد وإن ثبت في صحيحةُ فلما ثبت تحريم الجمع في العقد كان تحريمه في الوطء أولى؛ ولأن تحريم الجمع في النكاح إنما كان ليدفع به تواصل ذوي الأرحام فلا يتقاطعون لأن الضرائر من النساء متقاطعات وهذا المعنى موجود في الأختين اليمين كوجوده فيهما بعقد النكاح فوجب أن يستويا في التحريم. فأما الاستدلال بعموم الآيتين فقد حضه قوله تعالى:{وَأن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: (٢٣)] وأما قوله إن تحريم العدد لما حرم بالنكاح كذلك تحريم الجمع: فالجواب عنه أن تحريم العدد إنما ثبت في الزوجات خوفًا من الجور فيما يجب لهم من النفقةً والكسوةً والقسم وهذا معدوم في الإماء لأن نفقاتهن وكسوتهن في أكسابهن ولا قسم لهن فأمن الجور فافترقا في تحريم العدد وهما في المعنى الذي أوجب تحريم الجمع سواء؛ لأن خوف التقاطع والتباغض والتحاسد وهذا موجود في الإماء كوجوده في الزوجات فاستويا في تحريم الجمع لاشتراكهما في معناه وان افترقا في تحريم العدد لافتراقهما في معناه وأما قول داود: إن الجمع بينهما في الوطء غير ممكن، فعنه جوابان:
أحدهما: أنه قد يمكن الجمع بينهما في الاستمتاع بأن يضاجعهما معًا ويلمسهما وهذا محرم في الأختين.
والثاني: أنه قد ينطلق اسم الجمع على فعل الشيء بعد الشيء كالجمع بين الصلاتين كذلك بين الوطئين فيكون الجمع جمعين جمع متابعة وجمع مقارنةً.
والثالث: أن الصحابة قد جعلته من معنى الجمع ما نهت عنه ولم تجعله مستحيلًا.
فصل:
فإذا تقرر تحريم الجمع بين الأختين بملك اليمين كتحريمه بعقد النكاح فملك أختين كان له أن يستمتع بأيهما شاء فإذا استمتع بواحدةً منهما حرمت عليه الأخرى ما كان على استمتاعه بالأولى حتى يحرمها عليه بأحد خمسةُ أشياء: إما أن يبيعها، وإما أن يهبها، وإما أن يعتقها، وإما أن يزوجها، وإما أن يكاتبها فتصير بأحد هذه الخمسةُ الأشياء محرمةُ عليه فيحل له حينئذ أن يستمتع بها بالثانية وتصير الأولى إن عادت إلى إباحته محرمةً عليه أن يستمتع بها حتى تحرم الثانية بأحد ذكرنا من الأشياء الخمسة، وحكي عن قتادةَ أنه عزم على أن لا يطأ التي وطئ حلت له الأخرى وهذا خطأ لأن التحريم يقع بأسبابه لا بالعزم عليه وقد يحرم عليه بسببين آخرين ليسا من فعله وهما: الرضاعةَ والردةً فأما التدبير: فلا