للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال في الحاوي: اعلم أن المشركين على ثلاثة أقسام: قسم هم أهل الكتاب، وقسم ليس لهم كتاب، وقسم لهم شبهة كتاب.

فأما القسم الأول: وهم أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى، فكتاب اليهود التوراة ونبيهم موسى، وكتاب النصارى الإنجيل، ونبيهم عيسى، وكلا الكتابين كلام الله ومنزل من عنده، قال الله تعالى: {وأَنزَلَ التَّوْرَاةَ والإنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ} [آل عمران: ٣ - ٤] قد نسخ الكتابان والشريعتان، أما الإنجيل فمنسوخ بالقرآن والنصرانية منسوخة بشريعة الإسلام، وأما التوراة ودين اليهودية فقد اختلف أصحابنا بماذا نسخ على وجهين:

أحدهما: أن التوراة منسوخة بالإنجيل، واليهودية منسوخة بالنصرانية، ثم نسخ القرآن الإنجيل ونسخ الإسلام النصرانية، وهذا أظهر الوجهين؛ لأن عيسى عليه السلام قد دعا اليهود إلى دينه واحتج عليهم بإنجيله، فلو لم ينسخ دينهم بدينه وكاتبهم بكتابة لأقرهم وادعى غيرهم.

والثاني: أن التوراة منسوخة بالقرآن واليهودية منسوخة بالإسلام، وأن ما لم يغير من التوراة قبل القرآن حق، وما تغير من اليهودية قبل الإسلام حق، وأن عيسى دعا اليهود لأنهم غيروا كتابهم وبدلوا دينهم فنسخ بالإنجيل، وما غيروه من توراتهم وبالنصرانية ما بدعوه من يهوديتهم، ثم نسخ القرآن حينئذٍ جميع توراتهم ونسخ الإسلام جميع يهوديتهم؛ لأن الأنبياء قد كانوا يحفظون من الشرائع التبديل وينسخون منها ما تقتضيه المصلحة. كما نسخ الإسلام في آخر الوحي خاصًا من أوله، فأما نسخ الشرائع المتقدمة على العموم فلم يكن إلا بالإسلام الذي خاتمة الشرائع بالقرآن الذي هو خاتمة الكتب فعلى الوجه الأول يكون الداخل في اليهودية بعد عيسى على باطل وعلى الوجه الثاني على حق ما لم يكن ممن غير وبدل فأما بعد الإسلام فالداخل في اليهودية والنصرانية على باطل.

فصل:

فإذا تقرر ما وصفنا من أن اليهود والنصارى من أهل الكتاب قد كانوا على دين حق ثم نسخ فيجوز لحرمة كتابهم أن يقروا على دينهم بالجزية أي يزكوا وتؤكل ذبائحهم وتنكح نساؤهم فأما إقرارهم بالجزية وأكل ذبائحهم فمجمع عليه بالنص الوارد في كتاب الله تعالى وأما الجزية فلقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ} [التوبة: ٢٩] فأما أكل الذبائح فقوله تعالى: {وطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} [المائدة: ٥] أما نكاح حرائرهم فالذي عليه جمهور الصحابة والتابعين غير الإمامية من الشيعة أنهم منعوا من نكاح حرائرهم مع القدرة على نكاح المسلمات استدلالًا بقوله تعالى: {ولا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ} [الممتحنة: ١٠] وقوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة: ٥١] الآية، قالوا: ولأن بعضهم يمنع من نكاح نسائهم كعبدة الأوثان.

قالوا: ولأنهم وإن كانوا أهل كتاب منزل فكتابهم مغير منسوخ، وما نسخه الله

<<  <  ج: ص:  >  >>