تعالى ارتفع حكمه فلم يفرق بينه وبين ما لم يكن فكذلك صاروا بعد نسخه في حكم من لا كتاب له، هذا خطأ لقوله تعالى:{والْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ والْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}[المائدة: ٥] فجمع بين نكاحهن ونكاح المؤمنات فدل على إباحته.
فإذا قيل: فهذا منسوخ بقوله تعالى: {وَلا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة: ٢٢١] متقدمة لأنها من سورة البقرة، وقوله:{والْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ}[المائدة: ٥] متأخرة لأنها من سورة المائدة، وهي من آخر ما نزل من القرآن، والمتأخر هو الناسخ للتقدم وليس يكون أن يكون المتقدم ناسخًا للمتأخر فعلى هذا الجواب يكون قوله:{وَلا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} منسوخًا بقوله: {والْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ}[المائدة: ٥] وهذا قول ابن عباس.
والجواب الثاني: أن قوله: {وَلا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة: ٢٢١] عام وقوله {والْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} خاص والخاص من حكمه أن يكون قاضيًا على العام ومخصصًا له سواء تقدم عليه أو تأخر عنه فعلى هذا يكون قوله: {وَلا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة: ٢٢١] مخصوصًا بقوله: {والْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ}[المائدة: ٥] وهذا هو الظاهر من مذهب الشافعي وأن اسم الشرك ينطلق على أهل الكتاب وغيرهم من عبدة الأوثان وذهب غيره من الفقهاء: إلى أن أهل الكتاب ينطلق على اسم الكفر ولا ينطلق على اسم الشرك وأن اسم الشرك ينطلق على من لم يوحد الله تعالى وأشرك به غيره من عبدة الأوثان فعلى هذا القول يكون قوله: {وَلا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} مخصوصًا ولا منسوخًا ثم حكمه ثابت على عمومه.
ثم يدل على جواز نكاحهم ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم:"ملك ريحانة وكانت يهودية واستمتع بها بملك اليمين" ثم أسلمت فبشر بإسلامها فسر به ولو منع الدين منها لما استمتع بها كما لم يستمتع بوثنيه ولأنه إجماع الصحابة، روى عن عمر جوازه. وعن عثمان أنه نكح نصرانية وعن طلحة أنه تزوج نصرانية. وعن حذيفة أنه تزوج يهودية. وعن جابر أنه سئل عن ذلك فقال: "نكحناهن بالكوفة عام الفتح مع يعد بن أبي وقاص، ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرًا فلما انصرفنا من العراق طلقناهن تحل لنا نساؤهم ولا تحل لهم نساؤنا. فكان هذا القول من جابر إخبارًا عن أحوال جماعة المسلمين الذين معه من الصحابة وغيرهم فصار اجتماعًا منتشرًا فإن قيل: فقد خالف ابن