عمر. قيل: ابن عمر كره ولم يحرم فلم يصير مخالفًا ولأن الله تعالى قد أنزل كتابًا من كلامه وبعث إليهم رسولًا من أنبيائه كانوا في التمسك به على حق فلم يجز أن يساووا في الشرك لم يكن من عبدة الأوثان على حق معه وأنه لما جاز لحرمة كتابهم وما تقدم من صحة دينهم أن يفرق بينهم وبين عبدة الأوثان في حق دمائهم بالجزية وأكل ذبائحهم جاز أن تفرق بينهم في نكاح نسائهم فأما الأية فقد مضى الجواب عنها.
وأما قوله:{ولا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ}[الممتحنة: ١٠] فمخصوص بعبدة الأوثان. وأما قياسهم على عبدة الأوثان، فممنوع بما ذكرنا من الفرق بينهما في قبول الجزية وأكل الذبائحُ.
وأما قولهم: إن كتابهم منسوخ فهو كما لو لم يكن الجواب عنه أن ما نسخ حكمه لا يوجب أن لا ينسخ حرمته، ألا ترى أن ما نسخ من القرآن ثابت الحرمة، وإن كان منسوخ الحكم كذلك نسخ التوراة والإنجيل.
فصل:
فإذا تقرر أن اليهود والنصارى أهل كتاب يحل نكاح حرائرهم فهم ضربان:
بنو إسرائيل وغير بني إسرائيل. فأما بنو إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام فجميع بنيه الذين دخلوا فيه قبل تبديله فيجوز إقرارهم بالجزية وأكل ذبائحهم ونكاح حرائرهم.
وأما غير بني إسرائيل ممن دخل في اليهودية من النصرانية من العرب والعجم والترك منهم ثلاثة أصناف:
صنف دخلوا فيه قبل التبديل كالروم حين دخلوا النصرانية فهؤلاء كبني إسرائيل في إقرارهم وأكل ذبائحهم ونكاح حرائرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر الروم كتابًا قال فيه:{قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ}[آل عمران: ٦٤] الآية، فجعلهم أهل الكتاب ولأن الحرمة للدين والكتاب ولا للنسب فلذلك ما استوى حكم بني إسرائيل وغيرهم فيه.
والثاني: أن يكون قد دخلوا فيه بعد التبديل فهؤلاء لم يكونوا على حق ولا تمسكوا بكتاب صحيح. فصاروا إن لم يكن لهم حرمة كعبدة الأوثان في أن لا تقبل لهم الجزية ولا يوكل لهم ذبيحة ولا تنكح منهم امرأة.
والثالث: أن يشك فيهم هل دخلوا فيه قبل التبديل أو بعده كالنصارى العرب كوج وفهر وتغلب فهؤلاء شك فيهم عمر فتشاور فيهم الصحابة فاتفقوا على إقرارهم بالجزية حقنًا لدمائهم وأن لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم لأن الدماء محقونة فلا تباح بالشك والفوج محظورة لا تستباح بالشك فهذا حكم أهل الكتاب من اليهود والنصارى.