وأما القسم الثاني: هم غير أهل الكتاب كعبدة الأوثان وعبدة الشمس والنيران وعبدة ما استحسن من حمار أو حيوان أو قال: بتدبير الطبائع وبقاء العالم أو قال: بتدبير الكواكب في الأكوان والأدوار فلم يصدق نبيًا ولا آمن بكتاب فهؤلاء كلهم مشركون لا يقبل لهم جزية ولا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح منهم امرأة ولا يحكم فيهم إذا امتنعوا من الإسلام إلا بالسيف إذا قدر عليهم إلا أن يؤمنوا مدة أكثرها أربعة أشهر يراعى انقضاؤها فيهم ثم هم بعد انقضاء مدة أمانهم حرب وسواء أقروا بأن لا إله إلا الله أو أشركوا به غيره أو جحدوه ولم يقروا به إله ولا خالق في أن حكم جميعهم سواء لا يقبل لهم جزية ولا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة.
فصل:
وأما القسم الثالث: وهم من له شبهة كتاب فهم ثلاثة أصناف: الصابئون، والسامرية، والمجوس.
فأما السامرة: فهم صنف اليهود والذين عبدوا العجل حين غاب عنهم موسى مدة عشرة أيام بعد الثلاثين واتبعوا السامري فرجع موسى إلى قومه فأنكر عليهم عبادة العجل وأمرهم بالتوبة وقتل أنفسهم فمنهم من قتل.
وأما الصابئون: فهم صنف من النصارى وافقوهم على بعض دينهم وخالفوهم في بعضه وقد يسمى باسمهم ويضاف إليهم قوم يعبدون الكواكب ويعتقدون أنها صانعة مدبرة فنظر الشافعي في دين الصابئين والسامرة، فوجده مشتبهًا فعلق القول فيهم لاشتباه أمرهم فقال هاهنا: أنهم من اليهود والنصارى إلا أن يعلم أنهم يخالفوهم في أصل ما يحللون ويحرمون فيحرمون وقطع في موضع آخر أنهم منهم، وتوقف في موقف آخر فيهم وليس ذلك لاختلاف قوله ولكن لا يخلو حالهم من ثلاثة أقسام: فقال: إن وافقوا اليهود والنصارى في أصل معتقدهم ويخالفوهم في فروعه فيقر السامرة بموسى والتوراة ويقر الصابئون بعيسى والإنجيل فهؤلاء كاليهود والنصارى في قول جزيتهم وأكل ذبائحهم ونكاح نسائهم لأنهم إذا جمعهم أصل المعتقد لم يكن خلافهم في فروعه مؤثر كما يختلف المسلمون مع اتفاقهم على أصل الدين في فروع لا توجب تباينهم ولا خروجهم عن الملة.
والقسم الثاني: أن يخالفوا اليهود والنصارى في أصول معتقدهم وأن يوافقوهم في فروعه ويكذب السامرة بموسى والتوراة ويكذب الصابئون بعيسى والإنجيل فهؤلاء كعبدة الأوثان لا يقبل لهم جزية ولا يؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح منهم امرأة لأنهم لم يكونوا على حق فيراعى فيهم ولا تمسكوا بكتاب فيحفظ عليهم حرمته فيؤخذوا بالإسلام أو بالسيف، وحكى أن القاهر استفتى أبا سعيد الإصطرخي فيهم فأفتاه أن يقتلهم لأنهم يقولون: إن الفلك هو حي ناطق وأن الكواكب السبعة آلهة مدبرة فهمّ بقتلهم فبذلوا له مالًا فكفّ عنهم.