والقسم الثالث: أن يشك فيهم فلا يعلم هل وافقوا اليهود والنصارى في الأصول دون الفروع أو في الفروع دون الأصول فهؤلاء كمن شدّ في دخوله في اليهودية والنصرانية هل كان قبل التبديل أو بعده فيقرون الجزية حقنًا لدمائهم ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم.
فصل:
وأما المجوس فقد اختلف الناس فيهم هل هم أهل كتاب أم لا؟ وعلق الشافعي القول فيهم وقال في موضع: هل أهل كتاب وقال في موضع: ليسوا أهل كتاب فاختلف أصحابنا لاختلاف قول الشافعي فكان بعضهم يخرجه على اختلاف قولين:
أحدهما: أنه لا كتاب لهم لقوله تعالى: {إنَّمَا أُنزِلَ الكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ}[الأنعام: ١٥٦] يعني اليهود والنصارى فدل على أنه لا كتاب لغيرهما ولأن عمر لما أشكل عليه أمرهم سأل الصحابة عنهم فروى عبد الرحمن بن عون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" فلما أمر بإجرائهم مجرى أهل الكتاب دل على أنهم ليس لهم كتاب فعلى هذا القول يجوز قبول جزيتهم له ١ ذا الحديث وأن عمر أخذ الجزية منهم بالعراق وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أخذ الجزية من مجوس هجر" فأما أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم فلا يجوز لعدم الكتاب فيهم.
والقول الثاني فيهم: أنهم أهل كتاب لأن الله تعالى يقول: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ}[التوبة: ٢٩] وقد ثبت أخذ الجزية منهم فدل على أنهم من أهل الكتاب. وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: وكانوا أهل كتاب، وإن ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته، فلما صحا جاؤوا يقيمون عليه الحد فامتنع منهم، فدعا آل مملكته فقال:"تعلمون دينًا خيرًا من دين آدم فقد كان آدم ينكح بنيه من بناته، فأما على دين آدم من يرغب بكم عن دينه فبايعوه وخالفوا الدين وقاتلوا الذين خالفوهم حتى قتلوهم فأصبحوا وقد أسرى على كتابهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذي في صدورهم، وهم أهل كتاب وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما منهم الجزية".
فنكح الملك أخته وأمسكوا عليه الإنكار عليه إما متابعة لرأيه وإما خوفًا من سطوته، فأصبحوا وقد أسرى بكتابهم. فعلى هذا القول يجوز إقرارهم بالجزية وهل يجوز أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: يجوز لإجراء حكم الكتاب عليهم.
والثاني: لا يجوز لأن طريق كتابهم الاجتهاد دون النص فقصر حكمه عن حكم