النص. وقال آخرون من أصحابنا: ليس ما اختلف نص الشافعي عليه اختلاف قولين فيه إنما هو على اختلاف حالين فالموضع الذي قال إنهم أهل كتاب يعني في قبول الجزية وحدها حقنًا لدمائهم أن لا يستباح بالشك والموضع الذي قال: إنهم غير أهل كتاب يعني في أن لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم وهذا قول سائر الصحابة والتابعين والفقهاء وخالف أبو ثور فجوز أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم وروى إبراهيم الحربي: تحريم ذلك عن سبعة عشر صحابيًا وقال: ما كنا نعرف خلافًا فيه حتى جاءنا خلافاً من الكرخ يعني خلاف أبي ثور لأنه كان يسكن كرخ بغداد واستدل أبو ثور على أكل ذبائحهم وجواز مناكحتهم بحديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" قال: وقد تزوج حذيفة بن اليمان مجوسية بالعراق فاستنزله عنها عمر فطلقها فلو لم يجز لأنكر عليه ولفرق بينهما من غير طلاق ولأن كل صنف جاز قبول جزيتهم. جاز أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم كاليهود والنصارى قالوا: ولأن كتاب اليهود والنصارى نسخ وكتاب المجوس رفع ولا فرق بين حكم المنسوخ والمرفوع فلما لم يمنع نسخ كتابي اليهود والنصارى من أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم لم يمنع رفع المجوس من ذلك وهذا خطأ لأن إبراهيم الحربي ورواه عن سبعة عشر صحابيًا ولا يعرف لهم مخالفًا فصار إجماعًا؛ لأن من لم يتمسك بكتاب لم تحل ذبائحهم ونسائهم كعبدة الأوثان وليس للمجوس كتاب يتمسكون به كما يتمسك اليهود والنصارى بالتوراة والإنجيل فوجب أن يكون حكمهم مخالفُا لحكمهم ولأن نكاح المشركات محظور بعموم النص فلم يجز أن يستباح باحتمال ولأن عمر مع الصحابة توافقوا في قبول جزيتهم للشك فيهم فكيف يجوز مع هذا الشك أن يستبيح أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم.
وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري يسأله كيف أخذ الناس الجزية من المجوس وأقروهم على عبادة النار وهم معبدة الأوثان، فكتب إليه الحس: إنما أخذوا منهم الجزية؛ لأن العلاء بن الحضرمي - وكان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين- أخذها منهم وأقرهم. فدل على أنهم أفردوا من أهل الكتاب بأخذ الجزية وحدها فلذلك خصهما عمر بن عبد العزيز بالسؤال والإنكار فأما استدلاله بقوله:"سنوا بهم سنة أهل الكتاب" فيعني به في أخذ الجزية لأمرين:
أحدهما: أنه روى ذلك عند الشك في قبول جزيتهم.
والثاني: أن الصحابة أثبتوا هذا الحديث في قبول جزيتهم ولم يجوزوا به أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم.
وأما تزويج حذيفة بمجوسية فالمروي أنها كانت يهودية، ولو كانت مجوسية فقد استنزله عنها عمر فنزل، ولو كانت نحل له لم استنزله عنها عمر، ولما نزل عنها حذيفة، وأما قياسه على اليهود والنصارى فالمعنى فيهم تمسكهم بكتابهم فثبت حرمته فيهم وليس كذلك المجوس.