خطبتها مع تحريمه عليها وتزوجه فكان آثمًا بالخطبة والنكاح جائز وقال داود: النكاح باطل.
وقال مالك: يصح بطلقة استلالًا بأن النهي يقتضي فساد النهي عنه ولقول النبي صَلَى الله عليه وسلم: "من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد" وبقوله صَلَى الله عليه وسلم: "من عمل ما ليس عليه أمرنا فهو رد". والدليل على صحة النكاح هو أن ما تقدم من العقد غير معتبر فيه فلم يؤثر في فساده لأن النهي إذا كان لمعنى في غير المعقود عليه لم يمنع من الصحة كالنهي عن أن يسوم الرجل على سوم أخيه أو أن يبيع حاضر لبادٍ فأما الاستدلال بالخبرين فيقتضي روما توجه النهي إليه وهو الخطبة دون العقد.
فصل:
فأما حديث فاطمة بنت قيس ففيه دلائل على أحكام منها ما ذكرناه من أن السكوت لا يقتضي تحريم الحظر.
ومنها جواز ذكر ما في الإنسان عند السؤال عنه لأن النبي صَلَى الله عليه وسلم قال في معاوية: "إنه صعلوك لا مال له" والتصعلك التحمل والاضطراب في الفقر. قال الشاعر:
غَنَيْنَا زَمَانًا بِالتَّصَعْلُكِ وَالغِنَى وَكُلًّا سَقَانَاهُ بِكَاسَيْهِمَا الدَّهْرُ
فَمَا زَادَ بَغْيًا على ذِي قَرَابَةٍ غِنَا وَلَا أَزْرَى بِأَحْسَابنَا الفَقْرُ
وقال في أبي جهم: "لا يضع عصاه عن عاتقه" وفيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه أراد به كثرة ضربه لأهله.
والثاني: أنه أراد به كثرة أسفاره يقال لمن سافر: قد أخذ عصاه ولمن أقام قد التقى عصاه, قال الشاعر:
فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى كَمَا قَرَّ عَيْنًا بِالِإيَابِ المسَافِرُ
والثالث: أنه أراد به كثرة تزويجه لتنقله من زوجة إلى أخي كتنقل المسافر بالعصي من مدينة إلى أخرى ومن دلائل الخبر أيضًا جواز الابتداء بالمشورة من غير استشارة فإن النبي صَلَى الله عليه وسلم أشار بأسامة من غير أن تسأله عنه.
ومنها أن طلاق الثلاث مباح لأن النبي صَلَى الله عليه وسلم ما أنكره في فاطمة حين أخبرته ومنها جواز خروج المعتدة في زمان عدتها لحاجة لأنها خرجت إليه فأخبرته بطلاقها فقال لها: "إذا حللت فآذنيني" ومنها جواز كلام المرأة وإن اعتدت وإن كلامها ليس بعورة.