فأما مالك فاستدل لمذهبه بقول الله تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}[الممتحنة: ١٠] فوجب أن يحرم على المسلم التمسك بعصمة كافر ولأن إسلام أحد الزوجين إذا كان مؤثرًا في الفرقة كان معتبرًا بإسلام الزوج دون الزوجة لأن الفرقة إلى الرجل دون النساء.
والدليل عليه ما روي أن أبا سفيان وحكيم بن حزام أسلما على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرّ الظهران وزوجناهما في الشرك بمكة فأنقذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا هريرة إلى هند زوجة أبي سفيان فقرأ عليهما القرآن وعرض عليها الإسلام فأبت ثم أسلمت وزوجة حكيم أسلمت على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرهما على النكاح مع تقدم إسلام الزوجين ولأن حظر المسلمة على الكافر أغلظ من حظر الكافرة على المسلم لأن المسلمة لا تحل للكتابي والمسلم تحل له الكتابية فلما لم يتعجل فسخ نكاح المسلمة مع الكافر فأولى أن لا يتعجل فسخ نكاح الكافر مع المسلمة.
فأما الآية فلا دليل فيها لأنه ممنوع أن يتمسك بعصمتها في الكفر وإنما تمسك بعصمتها بعد الإسلام.
وأما استدلاله بأن الفرقة إلى الزوج دون الزوجة فذاك في فرقة الاختيار التي يوقعها المالك والطلاق فأما فرقة الفسوخ فيستوي فيها الزوجان.
فصل:
فأما أبو حنيفة فاستدل على وقوع الفرقة باختلاف الدارين من غير توقف بقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[الممتحنة: ١٠] فاقتضى أن تحرم عليه بالإسلام سواء أسلم بعدها أو لم يسلم وبرواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجرت إليه وتخلف زوجها أبو العاص بن ربيع كافرًا بمكة، ثم أسلم فردها عليه بنكاح جديد، فدل على وقوع الفرقة.
قال: ولأن اختلاف الدار بهما حكمًا وفعلًا يوجب الفرقة بينهما قياسًا على سبي أحدهما واسترقاقه.
قال: ولأن دار الحرب غلبة وقهر، لأن من غلب فيها على شيء ملكه ألا ترى لو غلب العبد سيده على نفسه صار العبد حرًا وصار السيد عبدًا ولو غلبت المرأة زوجها على نفسه بطل نكاحها وصار الزوج لها عبدًا فاقتضى أن تصير الزوجة بإسلامها إذا هاجرت من دار الحرب متغلبة على نفسها فوجب أن يبطل نكاحها.
والدليل على أن اختلاف الدارين لا يوجب وقوع الفرقة بإسلام أحد الزوجين ما روي أن أبا سفيان بن حرب وحكيم بن حزام أسلما بمرّ الظهران وهي بحلول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها واستيلائه عليها دار إسلام وزوجناهما على الشرك بمكة وهي إذ ذاك دار