الحرب ثم أسلمتا بعد الفتح فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على النكاح. فإن قيل: مرّ الظهران من سواد مكة وتابعة لها في الحكم فلم يكن إسلامها إلا في دار واحدة، ففيه جوابان:
أحدهما: أن مرّ الظهران دار الخزاعة محازة عن حكم مكة لأن خزاعة كانت في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت بنو بكر في حلف قريش ولنصرة النبي صلى الله عليه وسلم لخزاعة صار إلى قريش بمكة.
والثاني: أن مرّ الظهران لو كان من سواء مكة لجاز أن ينفرد عن حكمها باستيلاء الإسلام عليها كما لو فتح المسلمون سواد بلد من دار الحرب صار ذلك السواد دار إسلام. وإن كان البلد دار الحرب ويدل على ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة عام الفتح هرب صفوان بن أمية إلى الطائف وهرب عكرمة بن أبي جهل إلى ساحل البحر مشركين فأسلمت زوجاتهما بمكة وكانت زوجة صفوان برزة بنت مسعود بن عمرو الثقفي وزوجة عكرمة أم عكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة وأخذتا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانًا لهما فدخل صفوان من الطائف بالأمان وأقام على شركة حتى شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا وأعار سلاحًا ثم أسلم وعاد عكرمة من ساحل البحر وقد عزم على ركوبه هربًا فأسلم فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجتيهما مع اختلاف الدارين بهما؛ لأن مكة كانت قد صارت بالفتح دار إسلام وكانت الطائف والساحل دار الحرب.
فإن قيل: هما من سواء مكة وفي حكمها.
فالجواب عنه بما مضى، ومن القياس: أنه إسلام بعد الإصابة فوجب إذا اجتمعا عليه في العدة أن لا تقع به الفرقة قياسًا على اجتماع إسلامها في دار الحرب ولأن ما كانت البينونة بعد منتظرة لم يؤثر فيه اختلاف الدارين كالطلاق الرجعي وما كانت البينونة معجلة لم يؤثر فيه اتفاق الدارين كالطلاق الثلاث فوجب أن يكون الفرقة بالإسلام ملحقة بأحدهما.
فأما الجواب عن استدلالهم بالآية فنحن نقول بموجبها لأنها لا ترد المسلمة إلى كافر ولا تحلها له ولا تمسك بعصمة كافرة. وإنما يردها إلى مسلم ويمسك بعصمة مسلمة وأما الجواب عن حديث زينب فمن وجهين:
أحدهما: ما رواه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها عليه بالنكاح الأول.
والثاني: أنه يجوز أن استأنف لها نكاحًا لأنه أسلم بعد انقضاء العدة حين أسره أبو بصير الثقفي بسيف البحر من نحو الجار. وأما قياسهم على السبي والاسترقاق فليس المعنى فيه افتراق الدارين إنما حدوث الاسترقاق ألا ترى أنه لو استرق أحدهما وهما في دار الحرب بطل النكاح ولو استرقا معًا بطل النكاح فصار السبي مخالفًا للإسلام على أن الفرقة بالاسترقاق غير منتظرة بحال والفرقة بالإسلام منتظرة في حال فافترقا. وأما الاستدلال بأنها متغلبة على بعضها فلا يصح لأن الأعيان تملك بالتغلب دون الأبضاع. ألا ترى أن مسلمًا لو غلب على بضع مشركة لم تصر زوجة ولم يصر زوجًا ولو تغلب