كان لهم حاكم واحد لا يختلفون فيه، فأمكن وصولهم إلى الحق منه. وإذا كانا على دينين اختلفا في الحكم، وإن لم يحكم بينهما حاكمنا، فدعي النصراني إلى حاكم النصارى، ودعي اليهودي إلى حاكم اليهودي فتعذر وصول الحق إلا بحاكمنا فلذلك لزمه الحكم بينهما.
فصل:
فإذا تقرر ما ذكرنا من القولين فهي من حقوق الآدميين فأما حقوق الله تعالى فقد اختلف أصحابنا فيها على ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنها على قولين كحقوق الآدميين.
والثاني: أنها تجب قولًا لأنه لا يطالب بها غير الحاكم وليست لحقوق الآدميين التي لها خصم يطلب.
والثالث: أنها لا تجب قولًا واحدًا لأن حق الله تعالى في شركهم أعظم وقد أقروا عليه فكذلك ما سواه من حقوقه، وليس كذلك حقوق الآدميين لأنهم فيها متشاجرون متظالمون ودار الإسلام تمنع من التظالم، والله أعلم.
فصل:
فأما إذا كان التحاكم بين مسلم وذمي ومعاهد وجب على الحاكم أن يحكم بينهم قولًا واحدًا سواء كان المسلم طالبًا أو مطلوبًا لأنهما يتجاذبان إلى الإسلام والكفر فوجب أن يكون حكم الإسلام أغلب لرواية عائذ بن عمر المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الإسلام يعلو ولا يعلى» ولو كان التحاكم بين ذمي ومعاهد كان على قولين تغليبًا لأوكدهما حرمه كما لو كانت بين مسلم ومعاهد حكم بينهما قولًا واحدًا تغليبًا لحرمة الإسلام التي هي أوكد.
فصل:
ثم إذا حكم حاكمنا بين ذميين أو معاهدين لم يحكم بينهم بالتوراة إن كانا يهوديين ولا بالإنجيل إن كان نصرانيين ولم يحكم إلا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}[المائدة: ٤٩] أي يفتنونك بتوراتهم وإنجيلهم عما أنزل عليك من القرآن قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: ٤٤].
فإن قيل: فكيف لا يحكم بينهم بكتابهم وقد قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا}[المائدة: ٤٤] وقد أحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم التوراة حين رجم اليهوديين حتى رجمهما لما فيه من الرجم.
قيل: أما الآية فتضمنت صفة التوراة على ما كانت من الهدى والنور، وأنه كان